كتب اسلام محمد
هاهو العالم اليوم يعيش فوق بركان من القلق والفزع، وفوق زلازل من الحيرة والاضطراب، وما يكاد العالم يخلص من مشكلة، أو أزمة إلا ليستقبل أزمة أكبر، أو مشكلة أمر، وما ذلك إلا لأن هذا التقدم المادي الحسي لم يصاحبه ما يماثله من التقدم الروحي النفسي.بل نحن نعيش في عالم لا يدين أكثره بالمثل العليا، ولا بالعقائد الصحيحة.
وقد انفصمت عرى الإيمان في النفوس، وقَلَّ عمل الخير بمعناه الصحيح، وضعف سلطان العدل، وضاع صوت الحق في زحمة الباطل.
ولو أن رجلاً من السلف الصالح رجع إلينا لهاله ما يرى أما المسلمون، فالكثير الغالب منهم قد ضيعوا مجدهم وعزهم، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، ساروا خلف أعدائهم فأوردوهم موارد الذل والهوان، تركوا الجهاد، وركنوا إلى الدنيا، وتنازلوا عن عزتهم وعلوهم: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون: 8].
إن ما تعانيه الإنسانية اليوم من بلاءٍ وشقاء، وظلم واستعلاء، وشرور ووباء بحاجة إلى علاج ودواء، ولربما يتفلسف أناس، ويتفيهق آخرون في وصف العلاج فيطيلون ويرهقون، ثم لا يأتون إلا بالفشل الذريع.
ولكن الله -تبارك وتعالى- رسم لعباده العلاج، ووضح لهم المنهاج الذي إن أخذوا به خرجوا من الظلمات إلى النور، ومن سبل الشقاء إلى طريق الهدى والارتقاء.رسم هذا المنهج في سورة قصيرة ذاتِ آياتِ ثلاث، لكنَّ فيها المنهج الكامل للحياة الحقيقية.
يقول ربنا -سبحانه- في هذه السورة: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
قسم الله -تعالى- بالعصر، وهو الدهر والزمان الذي يحصل فيه حركات بني آدم، من طاعات ومخالفات، وخير وشر.وسراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر.
وفي ذلك تنبيه للإنسان على أن هذا الزمان ظرفٌ لأعماله، وأنه يمرُّ وينقضي سريعاً إذا لم يستفد منه ضاع عليه، فكل يوم مضى نقص في العمر.
والزمان فرصةٌ يضيعها الإنسان غالباً هذه هي حال أهل الخسران مع أنه من أصول النعم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
أليس من الغبن والحرمان أن تمضي على بعض الناس سنوات إثر سنوات، وشهورٌ ودهور، وهو لاه يلعب، يرى العبر بعينه، ويسمع المواعظ بأذنيه، ويرى تقلّب الزمان بأهله وهو بمعزلٍ عن الاتعاظ.
والعجيب أن عصر الإنسان الذي هو عمره مهما طال لا يفيد منه إلا لحظة الهداية، فلو ضيعّ الإنسان مئة سنة في الشقاوة، ثم تاب واهتدى في اللحظة الأخيرة من عمره دخل الجنة بسببها، وَنُعِّم بنعيمها أبد الآباد، ولو أمضى مئة سنةٍ في العمل الصالح، ثم انتكس في اللحظة الأخيرة، وكفر ذهبت أعمالها كلها هباءً منثوراً، وضاع عليه جميع العمر، فليدرك العاقل نفسه، وليختم بخير فما يدري متى تطوى صحيفته، وتقوم قيامته: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)[العصر:2].
أقسم تعالى بالعصر على هذه الحقيقة: وهي أن جنس الإنسان الغالبُ عليه الخسر، وهو الغبن والنقص، فالناس جميعهم في خسران ونقصان، من تجاراتهم إلا الصالحين، وحدهم؛ لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا.
ومن عداهم، تجروا غير تجارتهم، فوقعوا في الخسارة والشقاء قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)[الكهف:103- 104]
فقد أتضح مما سبق أن عوامل النجاح أربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
فأين هذه العوامل من حياة كثير من الناس اليوم الغيور ينظر يميناً وشمالاً ليبحث عن آثار الإيمان، وأنواره الساطعة، في حياة الناس، فيفاجأ بأمواج الفتن، وأمراض النفاق، والتطاول على الحرمات، والنيل من الدعوة والدعاة
سورة العصر، رسمت منهجاً كاملاً، واضح المعالم، من أراد النجاح فليلتزم به، ليحصل الخلاص من حياة البؤس والضياع، فإن الغالب على البشر في كل زمان ومكان، هو غرقهم في الفساد وسيرهم إلى الهلاك والدمار.