العاصمة

جسم الأنسان ومعجزات الله “

0

كوثر أحمد عبد الرحيم

هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه .. ومجموع المواسير داخل

العمارة التي هي بدنه ، بما فيه من آلاف الوصلات و المجاري التي يجري فيها الدم

و البول و الطعام و الفضلات و عوادم التنفس و الهضم ،

هل يعلم أن طول مواسير الدم في جسمه تبلغ وحدها ثمانية آلاف ميل أي أطول

بكثير من المسافة بين القاهرة و الخرطوم .. مواسير أكثر ليونة من الكاوتشوك ، و

أكثر متانة من الحديد ، و أطول عمراً من الصلب الكروم ، و في بعضها صمامات

لا تسمح بالسير إلا في اتجاه واحد ،

ثم مواسير الهواء ابتداء من فتحة الأنف إلى الحلق إلى القصبة الهوائية إلى

الشعب ثم الشعيبات التي تتفرع و تتفرع و تنقسم حتى تصل إلى أكثر من مليون غرفة هوائية في الرئتين ،

ثم مواسير البول التي تجمع البول من الكليتين لتصب في الحوض

ثم الحالب ثم المثانة ثم قناة الصرف النهائية ،

ثم مواسير الطعام من الفم إلى البلعوم إلى المعدة إلى الاثنا عشر إلى الأمعاء الدقيقة

،

ثم مواسير الفضلات من المصران الصاعد إلى المستعرض إلى الهابط إلى المستقيم إلى الشرج ،

ثم ممرات الولادة و غرفها و دهاليزها و

أنابيبها ،

ثم مجاري المرارة و حوصلتها و مواسيرها ،

ثم مجاري الليمف .. و مواقف الليمف و محطاته في الغدد الليمفية ،

و هي مواسير تمر إلى جوارها الفضلات و تحميها شبكة من الأوعية الدموية و

الأعصاب ، و جيوش من خلايا المقاومة تلتهم أي ميكروب يمكن أن يتسرب

من هذه المواسير في طريق خاطئ إلى الجسم ،

و أنابيب العرق .. و بلايين منها تشق الجلد و تفتح على سطحه لترطبه و تبرده بالعرق ،

و أنابيب الدموع داخل حدقة العين تغسل العين و تجلوها ،

و أنابيب التشحيم داخل جفن العين تفرز المواد الزيتية لتعطي العين تلك اللمعة

الساحرة ،

هذا الكم الهائل من السباكة الفنية الدقيقة المعجزة التي تعيش مائة سنة و لا تتلف

،
و إذا أصابها التلف أصلحت نفسها بنفسها

نموذج من الهندسة الإلهية العظيمة التي أهداها الله للإنسان منحة مجانية منذ

ميلاده و تولى صيانتها برحمته و عنايته .

فهل أدركنا هذه النعمة و هل قدرناها حق قدرها …!

و كثير من الأمراض سببها أعطال و تلفيات في هذه السباكة .
الإسهال و الإمساك و الغازات و تطبل

البطن ، هي أعطال و تلفيات في أنابيب صرف الفضلات و الزكام انسداد في

منافذ الهواء داخل الأنف .
و الناسور هو ثقب في ماسورة الإخراج .
و احتباس البول و المغص الكلوي

و آلام الكلى سببها أعطال في أنابيب صرف البول ،

إن تركيبات (( الصحي )) في جسمك هي التي تصنع لك صحتك بالفعل

بل هي صحتك ذاتها .. إن أي انقباض

في ماسورة معوية يساوي صرخة مغص ، و أي ضيق في شريان القلب التاجي

يساوي ذبحة ، و أي ضيق في ممرات الولادة يساوي إجهاضاً و أي انسداد في

قنوات فالوب يساوي عقماً و أي انسداد في مجاري المرارة يساوي صفراء .
هذا غير مجاري الليمف و الدم و الغدد

، و هي تتنوع في الجسم بالآلاف ، و لكل غدة توصيلاتها و قنواتها و نظامها و دورها في صناعة الصحة التي نتمتع بها دون

أن ندري أنها عملية تركيبية معقدة تشترك فيها مئات الأجهزة .

إن الصحة التي نشعر أنها مجرد استطراد لأمر عادي واقع .. ليست بالمرة أمراً عادياً

و ليست مجرد واقع مألوف ، و إنما هي نتيجة تدبير محكم و ثمرة عمليات

معقدة مرسومة بعناية و قصد . و إنما يحدث المرض حينما تتخلف هذه العناية

و هي قلما تتخلف .. فإذا تخلفت فـلتشرح لنا أسرارها .. فما عرفنا معجزة الصحة

إلا بدراسة المرض ، و ما عرفنا معجزة الحياة إلا بالموت .. و بأضدادها عُرِفـَت

الأشياء .

وفي محاولاتنا البدائية في بيوتنا وعماراتنا التي نبنيها وهي مجرد

ماكينات رمزية صغيرة لا تصل إلى واحد في المليون من العمارة البشرية

..

غرقنا في ” شبر ميه ” ..

طفحت مجاري القاهرة ، وتلوث البحر بعوادم المصانع ، واختنق النيل

بالفضلات التي تُلقى فيه ، ووقفنا أمام السيفون التالف ننادي على سباك

، واختلط الساخن بالبارد والطاهر بالملوث ، وفشلنا في صناعة أصغر ماكيت

سباكة لا تزيد مواسيره على بضعة أمتار ، وغرقنا في بانيو نصف متر ..

وهذه صناعتنا وتلك صناعته ..

وهذه سباكتنا وتلك سباكته ..

وهذه عمارتنا وتلك عمارته ..

وهذا خلقنا وذاك خلقه .

” *فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ* ”
المؤمنون ( 14 )

و كأنما يتحدانا الله بصنعته المبهرة و آياته الخالدة في عمارة الجسم البشري :

{ *قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ

كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً* }الإسراء 88

و هو تحد ينسحب على كل آية من آيات الله .. في الكتاب .. أو في الآفاق

..

أو في أنفسكم .

و النفس كُبرى المعجزات .

مقال : الصانع العظيم للــ د. مصطفى محمود رحمه الله ..

من كتاب : الإسلام ..و ماأعظمه …

جسم الأنسان ومعجزات الله "

اترك رد

آخر الأخبار