الموميات وسر التحنيط
إيمان العادلى
مصر الفرعونية القديمة تحمل كثيرآ من الأسرار والغموض و دائماً موضع رهبة سواء من المصريين انفسهم أو من الاجانب لما تحتويه على كثير من الأسرار بخلاف الأهرامات وعدد لا يحصى من الآثار بخلاف الموميات التى تحمل الكثير من الغموض الذي يدعو للفضول فهناك الكثير منها التي تم إكتشافها وهناك الكثير منها ايضا التي مازال البحث جارياً عنها وفد اجريت الكثير من الدراسات على المومياوات المصرية ولكن ما زالت تحمل بين طياتها العديد من الأسرار التي مازالت بإنتظار الإجابات
فما هى الموميات وكيف يتم التحنيط ؟
المومياوات هي أساساً عبارة عن جثث الكائنات الميتة من إنسان أو حيوان والتي تم الحفاظ علىها من التحلل إما عن طريق الظروف الطبيعية المناخية أو عن طريق التعرض المتعمد أو غير المتعمد لمواد كيميائية معينة
في حضارة ضربت بجذورها في أعماق التاريخ لم تترك لنا مجرد إرث فني فقط ولا قصصا تحمل آيات الشجاعه والتضحية لشعب عاش علي أرضها ،ولكنها تركت لنا فكرا راقيا يعبر عن نضوج تام للعقل البشري في هذه الحقبة الزمنية القادمة من أعماق التاريخ .
فبعد أن تحدثنا عن رقي العقيدة في مصر الفرعونيه وكيف أن هذا الرقي بلغ ذروته في الدوله الحديثه حين تمكن إخناتون إلي إدراك الحقيقه الأزليه بوجود إله واحد خالق للكون إلي رقي من نوع آخر لايبتعد عن تلك العقيده وهو فكره البعث ومايرتبط بالبعث من طقوس تخدم تلك الفكره ،
فقد توصل المصريون القدماء إلي مايسمي بالقرين
و القرين كما عرف في ديننا الإسلامي هو الملازم لكل إنسان ،وهو إما أن يدفعه للخير أو يدفعه للشر،
قال تعالى : ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ . قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ) ق/27-29 .
وقد توصل المصريون في عقيدتهم لهذا القرين قبل ظهور الإسلام بآلاف السنين وأطلقوا علي القرين إسم ( كا ) وكانت ترمز للروح ،
وهذا الكا يلازم الإنسان في حياته ولا يفارقه إلا عند الوفاه ،ولا يقابله إلا عند البعث ،
أي أن المصري القديم لم يتوصل إلي القرين فقط ،ولكنه توصل إلي فكره البعث بعد الوفاه وهذا ما دعاه إلي التشبث بفكره الأبديه بالروح والجسد معا ،ولكن كيف تتعرف الكا (القرين )علي صاحبها في هذا الخضم الهائل من الموتي في رحلتهم الأبديه للبعث وخاصا بعد أن أدرك أن هذا الجسد ليس إلا وعاء للروح يفني بموت صاحبه ؟
وللتغلب علي هذه المعضله كان لابد من الملاحظه والتجريب
ولم تكن هذه الملاحظه ببعيد عن عقله فمنذ نشأة الحضارة أدرك أن الأجساد تتحلل بصورة سريعة كلما كان الجو رطبا مما يساعد علي سرعة نمو بكتيريا التحلل التي تحول الجسد الي تراب في أيام ،وقد لاحظ أنه كلما كان الجو جافا وكانت التربه جافه كانت حافظة للجسد من التحلل إلي أطول فترة ممكنة ولكن !
لم يكن تفكير المصري القديم مرحليا ولكنه كان يفكر في الخلود ،فكيف يحفظ هذا الجسد إلي ان يأتي يوم البعث ويعود الكا إلي صاحبه في حياته الأبديه ؟
هداه التفكير أيضا من خلال ملاحظاته عبر خبرات إختزنها عقله الباطن إلي فكره التحنيط .
ذلك اللغز الذي حير علماء المصريات كثيرا وحار فيه البشر، علمائهم وعوامهم ،إلي أن تم التعرف علي حل هذا اللغز ومعرفه الخطوات التي تتم بها عمليه التحنيط
ولكي نبسط عمليه التحنيط لابد لنا ان نعرف أن هناك ثلاثة طرق لحفظ الكائنات الحيه منذ القديم وحتي عصرنا الحالي ،
وهذه الطرق هي :
الحفظ بالتمليح او مايطلق عليه التصبير وهي العمليه التي كانت ولاتزال تستخدم في حفظ الأسماك (الفسيخ)أو اللحوم ،
الطريقه الثانيه هي الحفظ بالتجفيف وهي التي تعتمد علي إفراغ الماده من المحتوي المائي نظرا ﻷن وجود المحتوي المائي في الماده ينشط من نمو بكتيريا التخلل ويوفر لها وسط مناسب لتنمو وتتكاثر،
الطريقه الثالثه وهي الحفظ بالتبريد او التجميد ،
وهذه طبعا طرقا تقليديه بعيده عن المواد الكيميائه والفورمالدهيدات التي تستخدم حاليا في حفظ الأعضاء البشريه لزوم الأبحاث العلميه وتستخدم بنسب محسوبه لحفظ بعض الأطعمه ،
وقد أدرك المصري انه لابد له من أستخدام هذه الوسائل في عمليه حفظ الجسد (باستثناء التبريد بالطبع )
فقام بدمج طريقه التمليح مع الإفراغ من المحتوي المائي كيف ذلك ؟
باختصار شديد كانت تتم عمليه التحنيط في عده خطوات وكانت تستغرق أربعون يوما وفي اليوم الأربعين كان يتم تشييع المتوفي وخروج الندابات خلفه يلطمن الخدود ويصرخن كما العاده حاليا ،ويجب ان ننتبه إلي شيء هام وهو يوم الأربعين المتمم لعمليه التحنيط هو ذلك اليوم الذي مازال يحتفل به المصريون ويسمي أربعين المتوفي وفيه يجددون الاحزان ويتلقون العزاء إمتدادا لتلك العاده الفرعونيه القديمه ..
كانت عمليهالتحنيط تتم بأن يوضع الجسد علي طاولة حجرية تميل قليلا في أحد أطرافها الذي يوضع أسفله وعاء فخاري تتجمع فيه السوائل التي تخرج من الجسد ،
وكان الجسد يغطي بالكامل ولمدة خمسة عشر يوم بملح يسمي ملح النطرون ،هذا الملح يقوم بواسطه الضغط الأسموزي باستخراج كل مياه الجسد التي تنحدر مع ميل الطاوله الحجريه لتتجمع في القدر الفخاري اسفل الطاوله،
بعد ذلك يقوم المحنطون بشق فتحه في الجانب الأيمن من البطن ليقوم بإخراج كل محتويات الفراغ البطني ..المعده والأمعاء ،الرئتين ،الكبد ، وكانت هذه الاعضاء الاربعة توضع في أربعة أوان تسمي الأواني الكانوبيه وكانت توضع معه في القبر حتي يستردها الجسد بمعرفه القرين عند البعث مع باقي الأثاث الجنائزي الذي إستخدمه المتوفي في الحياه الدنيا ،
ثم يقوم المحنطون بعملية غسيل للفراغ البطني بزيوت العرعر و زيوت أخري ولا يتم طبعا إستخدام الماء ،
ثم يجفف هذا الفراغ جيدا ويقوم بحشوه بالكتان حتي تظهر البطن في مستواها الطبيعي ولاتشوه شكل الجسد ثم يخيط الشق لتعود البطن لشكلها السابق ،
يبقي من الأنسجه الرخوه التي يمكن ان تكون سببا في تحلل المومياء الرأس وماتحويه من مخ وعينين ولذا كان يقوم بإخراج العينين ووضع كرتين زجاج مكانهما حتي تظهر العينين بالشكل الطبيعي ،
وكانت عملية إخراج المخ تبدو معضله ..!
فكيف يستخرج المخ من محجره دون ان يهشم الجمجمه أو دون عمل أي فتحات صناعية فيها ؟
وهنا تبدو براعه المصري في علوم الطب ،أذ انه كان علي علم بالصفات التشريحيه لجسم الإنسان وكان يدرك أن فتحتين المنخار تتصل بشكل مباشر بالمخ ولذا كان يستخرج المخ من خلال الأنف بأداه معقوفه تمكنه من استخراج كل محتويات الرأس..
وحتي هذه المرحله تبدو المومياء وقد قطعت شوطا لابأس به في رحلتها للخلود ،
ولكن ..إذا تركت هكذا كانت عرضه للتحلل ..ولذا كان لابد من عزلها عزلا تاما عن اي عوامل خارجيه مؤثره فكان يقوم بتغطية كل الجسم بالشمع حتي يتمكن من غلق مسام العرق ومنابت الشعر وهي مداخل سهله لميكروبات التحلل وبالتالي يستحيل علي تلك الميكروبات الوصول إلي الجسد بعد عزله بشمع العسل جيدا ثم يقوم بلف الجسد بلفائف الكتان لفا محكما ثم يقوم بتقليد الجثمان بكل الإكسسوارات التي كان يستخدمها في الدنيا ،فلو كان ملكا وضعت يداه متقاطعتان في وضع يعرفه علماء المصريات بالوضع الاوزيري ويمسك في يديه العصا والصولجان وهي الرموز الملكيه
ولو كان من الاشراف أو العوام فكان يزين صدره بالصدريات المصنوعة من الخرز الملون ، ثم بعد ذلك يقوم المحنطون برش العطور علي المومياء بعد أن تم تغطيتها كاملا !
ألم يتبادر إلي أذهانكم سؤال ؟
كيف تتعرف( الكا ) القرين علي صاحبها عند البعث بعد تغطيه كل ملامحه ؟
لكي تتعرف الكا كان المحنطون يقومون بعمل قناع يحمل ملامح المتوفي يوضع علي وجهه كي تتعرف عليه ومن أشهر هذه الاقنعه التي يفتخر بها المصريون ولكنهم يجهلون الغايه التي صنع من اجله قناع توت عنخ آمون ،وهو من الذهب الخالص ،
أما البسطاء فكانت تصنع اقنعتهم من الورق المقوي ،
كما ان المواد التي استخدمت في التحنيط مرتين أو أكثر كانت تستخدم في تحنيط الفقراء ،
هذا اليوم هو اليوم الاربعين المتمم لعمليه التحنيط لتبدا مراسم الجنازه