العاصمة

المأساة الأضحوكة

0

 

بقلم/ محمود الجندى

 

في رحلة العودة على طريق الإسماعيلية الزراعي، كنت جالسا بجوار السائق، مغمض العينين في محاولة الاسترخاء بعد يوم عمل طويل، إلا أن أحداث اليوم كانت تدق رأسى في صخب عنيف، ومشاهده تمر سريعة أمامى بعشوائية جنونية، مما اضطرنى إلى فتح عيني مبتعدا عن أفكاري، هاربا بهما إلى المناظر على جانبي الطريق، الأشجار القديمة بقدم الطريق على اليمين تراقص المنازل الريفية والحقول خلفها، والترعة الكبيرة على اليسار تعكس أشعة الشمس المائلة إلى الغروب على صفحة مائها الجارى.

وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير، إلا من بعض اللقطات المارقة التي تعرض صورتها أمامى عنوة، وتصرخ بأصواتها العنيدة فى أذنى من حين لآخر، كنا قد جاوزنا منتصف المسافة بين مدينة القصاصين ومدينة التل الكبير حين صرخ السائق مشيرا إلى الأمام على اليمين:

– انظر! السيارة أعلى سطح المنزل. السيارة قفزت هناك. السيارة أعلى المنزل. ههههههه.

نظرت حيث أشار ففوجئت بسيارة مستقرة بعجلاتها على سطح منزل ريفي من طابق واحد مجاور للطريق، كان منظرا عجيبا كيف طارت إلى هناك؟ وماذا جرى لمن كان فيها؟ وماذا عن أهل البيت؟ أسئلة طرقت رأسي ولم تجد لها ما يجيبها، وعندما أفلت المشهد كليا من بصري المشدود إليه، عدت بعيني إلى السائق المذهول والذي مازال يهذي بكلماته إلى كل من يقابله من سائقي السيارات المقابلة “السيارة أعلى سطح المنزل ههههههه” موجها سبابته اليسرى لأعلى، سألته في فضول:

– ما الذي يضحك في هذا؟

لم يجبني وكأنه لم يسمعني على الإطلاق، بدا لي بكلماته الصارخة وضحكاته الهستيرية وسبابته المتيبسة لأعلى مجنونا تماما، فقد ظل طوال الطريق يفعل ما يفعل في غرابة شديدة أنستنى ما كنت فيه إلى أن وصلنا مدينة الزقازيق.

نزل من السيارة في عجل دون أن يغلق بابه، استقبل زملاءه السائقين بنفس الحالة الجنونية التي أصابته منذ رأى الحادث:

– الحقوا! السيارة طارت عن الطريق إلى سطح المنزل ههههههه، والله بعد القصاصين وأنا قادم ههههههه.

كنت قد تركت السيارة مبتعدا عنهم وعن ضجيجهم بعد ان تحلقوا حوله، وازدادت حالتي الذهنية سوءا، فقد اتحدت الأسئلة الحيرى ومشاهد اليوم الطويل، منضمًا إليهم فضولي في هجوم عنيف على رأسي، لم يسلم منه حتى الآن،فكلما ذكرت ذلك اليوم أو مررت على مكان الحادث، يحاصر ذهني سيل من الأسئلة التي لا تنتهي، ولا سبيل لدفعها وردها عنه، وكان أكثر الأسئلة ضراوة في الهجوم، هي ما سبب ذلك الخبل الذي أصاب السائق؟ هل حقا شر البلية ما يضحك إلى هذا الحد من الجنون؟ هل هي مجرد غرابة الحادث؟ أم لأنه لم يك

ن هوصاحبه؟

اترك رد

آخر الأخبار