العاصمة

اللغز والابهام فى مقتل العالم جمال حمدان

0
متابعة عادل شلبى
عبر المائة عام الأخيرة
خرج من مصر علماء عباقرة أضاءوا بنظرياتهم ظلمات الدنيا، وصنعوا لأنفسهم ولوطنهم مساحة متميزة وسط العالم المتحضر ..
بل أن بعضهم دفع حياته ثمنا
لنظرياته العبقرية. ومن خلال السطور التالية سنقدم واحدآ من أبرز علماء مصر حتى يكونوا مصابيح تضئ أمام العقول التى مازالت تتفتح،
والعقول الأخرى التى
تستنكر دور مصر الريادى
جمال حمدان، (4 فبراير 1928م – 17 أبريل 1993م) أحد أعلام الجغرافيا المصريين. اسمه بالكامل جمال محمود صالح حمدان ،
ولد في قرية ناي بمحافظة القليوبية.
ولد “جمال محمود صالح حمدان” في قرية “ناي” بمحافظة القليوبية بمصر ونشأ في أسرة كريمة
تنحدر من قبيلة “بني حمدان” العربية التي نزحت إلى مصر .
كان والده أزهريًّا ومدرّسًا للغة العربية.. وقد اهتم بتحفيظ أبنائه السبعة القرآن الكريم، وتجويده
وتلاوته على يديه؛ مما كان له أثر بالغ على شخصية “جمال
حمدان”، وعلى امتلاكه نواصي اللغة العربية؛ مما غلّب على كتاباته الأسلوب الأدبي المبدع.
حصل “جمال حمدان” على الثانوية العامة عام- 1944م وكان ترتيبه السادس على القطر المصري،
ثم التحق بقسم الجغرافيا بكلية الآداب، وكان طالبًا متفوقًا
ومتميزًا خلال مرحلة الدراسة الجامعية؛ حيث كان منكبًّا على البحث والدراسة، متفرغًّا للعلم والتحصيل.
وبعد تخرج جمال حمدان عامـ 1948م تم تعيينه معيدًا بالكلية، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة ـ 1949م
حصل خلالها على الدكتوراه في “فلسفة
الجغرافيا” من جامعة “ريدنج” عام ـ 1953م وكان موضوع رسالته “سكان وسط الدلتا قديمًا وحديثًا”، ولم تترجم رسالته تلك حتى وفاته.
بعد عودته من بعثته العلمية انضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة،
ثم رُقّي أستاذًا مساعدًا.. وأصدر في فترة تواجده بالجامعة
كتبه الثلاثة الأولى: “جغرافيا المدن”، و”المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم”، و”دراسات عن ا
لعالم العربي” وقد حصل بهذه الكتب على جائزة الدولة
التشجيعية سنة ـ 1959م وقد لفتت كتبه أنظار الحركة الثقافية عامة، كما أنها صوبت إليه سهام الغيرة من
قِبَل بعض زملائه وأساتذته داخل الجامعة.. حتى اضطر
في عام 1963م إلى التقدّم باستقالته من الجامعة؛ احتجاجًا على ظلم إداري تعرَّض له.
وباستقالة “جمال حمدان” من الجامعة تبدأ مرحلة طويلة من التبتل في طلب العلم، والانقطاع للتأليف..
أثمرت نتاجًا علميًّا غزيرًا، يأتي في القمة منه موسوعته
الفريدة “شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان”.
وتناول فيها كل ما يمس مشروع السد العالي ، كما تحدث في هذه الموسوعة عن بحيرة توشكي وتنبا
بظهورها قبل وجودها ب 25 عام نال جمال حمدان وسام
العلوم و الفنون من الطبقة الأولى عام 1988 . ولعل الكتاب الأخير لجمال حمدان هو اخطر ما كتب طوال
حياته فهو بمثابة قنبلة العصر التي فجرها العالم المصري
العظيم في وجة الصهيونية ، فكان اعترافه لاحد المجلات في مارس 1993 بانة اقترب من الانتهاء
من ابتكاره العلمي الذي سيحدث صدي عالمي هو الذي أودى
بحياته..
وكانت رؤية جمال حمدان للعلاقة بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان متوازنة؛ فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر..
يظهر ذلك أيضآ واضحًا في كتابه
“شخصية مصر”، والذي تبرز فيه نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة، و”النيل” –
كمكوِّن أساسي للطبيعة المصرية –
بصفة خاصة، وكيف أفضت هذه العلاقة إلى صياغة الحضارة المصرية على الوجهين: المادي والروحي.
، ومن هنا جاء إلمام حمدان بتاريخ مصر بجميع مراحله.
وفي مقدمة كتابه “إستراتجية الاستعمار والتحرير” أكد حمدان على أهمية البعد التاريخي كمدخل لأية دراسة علمية جادة وعميقة للواقع السياسي
والإستراتيجي المعاصر .
طرح حمدان أثناء حياته الكثير من الأفكار والرؤى والتي اتضح صحتها بمرور الوقت، ولم يكن ذلك على سبيل التنجيم أو التنبؤ بالمستقبل، ولكن كان مبني على
دراسة واعية وأبحاث مرتبة قام بها حمدان واستخلص منها عدد من النتائج المترتبة عليها.
نذكر على سبيل المثال أنه كان أول من أشار إلى مدى تأثير البترول ليس فقط على المجال الاقتصادي ولكن على المجال السياسي والإستراتيجي أيضاً وذلك في كتابه “بترول العرب”، وبالفعل ثبت كلام حمدان فكان البترول وسيلة ضغط فعالة استفاد منها الزعماء العرب خلال أكتوبر 1973، كما تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي في كتابه “إستراتجية الاستعمار والتحرير” عام 1968، وبالفعل جاء انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
كما قدم جمال حمدان في كتابه الشهير “اليهود انثروبولوجيا” وقام فيه بإثبات أن يهود إسرائيل ليسوا أحفاد لليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمون إلى إمبراطورية الخزر التترية والتي قامت بين بحر قزوين والبحر الأسود، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، هذا الأمر الذي اكده بعد ذلك “أرثر بونيسلر” مؤلف كتاب “القبيلة الثالثة عشر” الصادر عام 1976.
قدم الدكتور جمال حمدان العديد من المؤلفات القيمة والتي تمتع أسلوبها بالبساطة الأمر الذي يسهل على القارئ العادي فهمها واستساغة معلوماتها ، فقدم 29 مؤلفا، و79 بحثا ومقالة .
حظي “جمال حمدان” بالتكريم داخل مصر وخارجها:
1- فقد حصل عامـ 1959م على جائزة الدول التشجيعية في العلوم الاجتماعية.
2- ومُنح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة1986م
3- وحصل كذلك على وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتابه “شخصية مصر” عام ـ 1988م
4- كما منحته الكويت جائزة التقدم العلمي سنة ـ 1992م قبيل وفاته.
جاءت وفاة جمال حمدان في السابع عشر من إبريل 1993، إثر تسرب للغاز من أنبوبة الغاز وذلك أثناء قيامه بإعداد كوب من الشاي لنفسه .
وعلى الرغم من أن وفاة هذا العالم قد تبدو طبيعية وممكن حدوثها لأي شخص، ولكن كان يشوب موته بعض الشك في أن الموساد الإسرائيلي ربما يكون وراء وفاته، خاصة أنه جاء قبل انتهاؤه من مشروع إعداد وثيقة تاريخية وجغرافية تكشف أكاذيب تأسيس المشروع الصهيوني فوق الجغرافية الفلسطينية, وعثر على قصاصات ورقية بخط يده تناولت أفكاره حول الموسوعة التي كان بصدد إعدادها.
حمدان.. طائر العنقاء
قال عنه محمد حسنين هيكل في مقدمة كتابه “أكتوبر 73.. السياسة والسلاح” والذي أهداه إلى الدكتور جمال حمدان.
حمدان:
“لقد ظهر هذا العالم المتميز في آفاق الفكر العربي كطائر العنقاء الأسطوري، الذي تحكي قصص الأقدمين أن موطنه الأصلي صحراء العرب، وتروي أن طائرا واحدا
منه يظهر كل مئات السنين وإنه يعلو في الآفاق محلقا بأجنحته العريضة المهيبة، وفاردا ريشه بديعا وباهرا، ولكن عندما يحين الأوان فإن هذا الطائر الأسطوري
الوحيد يقيم لنفسه تلا من النار ويهبط من الأجواء، ينتصب واقفا في كبرياء وسط لهيبه، لكنه لا يتفحم ولا يتحول إلى رماد، وإنما ينبعث من قلب النار مستعدا
لحياة جديدة ومنتشيا بشباب عمر جديد.
وكان جمال حمدان “عنقاء” حلماً مصرياً وقومياً عظيماً، ولقد حوطته ألسنة النار ذات صباح في شهر إبريل 1993م، لكن الأحلام العظيمة حتى في قلب اللهيب
لا تتفحم ولا تتحول إلى رماد، وإنما تنهض بمعجزة من معجزات البعث من وسط الحريق مجددة حياتها وشبابها، ناشرة ضياءها وإلهامها، فاتحة أجنحتها القوية،
ومحلقة إلى أعالي السماء.
كانت وفاة الدكتور جمال حمدان لغزآ لم يستطع أحد كشفه حتى الآن، ففي البداية عُثر على جثته والنصف الأسفل منها محروقًا واعتقد الجميع أنه توفي متأثرًا
بالحروق، ولكن تقرير مفتش الصحة بالجيزة أثبت أن درجة الحريق لا تصل حد الوفاة.
ورجح الطبيب الذي استخرج شهادة وفاته أن يكون توفي إثر صدمة عصبية جراء مشاهدة النيران، ولكن الثابت أن حمدان كان ممارسًا لليوجا بشكل يومي مما
يجعله مهيئًا لأية صدمات، كما أن مشهد الحريق الفعلي لا يمكن أن يسبب صدمةً للشخص العادي، فما بالنا فالدكتور الممارس لليوجا بشكل منتظم في آخر
سنوات عمره التي عاشها وحيدًا.
شهود العيان أكدوا أن أنبوبة الغاز كانت في حالة سليمة، بل وخرطومها أيضاً في حالة سليمة للغاية، مما يدحض أية شبهات حول وفاته محترقًا، كما أن حمدان
لم يكن بحاجة إلى إعداد الطعام؛ إذ أرسل بواب العمارة قبل الحادث بساعة ليحضر له بعض الأطعمة ليقوم هو بتجهيزها.
ربما تتكشف دوافع الوفاة إذا علمنا أن بعض مسودات حمدان قد اختفت، وهي تلك التي كان بصدد نشرها بعنوان «اليهودية والصهيونية» لكشف مزاعم اليهود
ومفنِّدًا أساطيرَهم المزعومة عن حقهم التاريخي في أرض فلسطين العربية الإسلامية، وهو ما يجعل اغتياله أمرًا حتميًا لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي
«الموساد».استاذ جابر السيد احمد

اترك رد

آخر الأخبار