اللسان سبب في هلاك الإنسان
اسلام محمد
قال الشيخ محمد فايز أحد علماء وزارة الأوقاف احذر أخي المسلم من الغيبة…… ينبغي لكل مسلم أنْ يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما طيبا حسنا.
والغيبة خصلة ذميمة لا تصدر إلا عن نفس دنيئة ، وهي كما عرّفها النبي بقوله : (( ذِكركَ أخاك بما
يكرهُ ) وهي محرمة بل هي كبيرة من الكبائر ، وقد ذمها الله بالقرآن العظيم فقال : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [ولا تقتصر على الكلام باللسان ، وإنما كل حركة أو إشارة أو إيماءة أو تمثيل أو كتابة في أو على
الإنترنت ، أو أي شيءٍ يفهم منه تنقص الطرف الآخر ؛ فكل ذلك حرام داخل في معنى الغيبة ، والإثم يزداد بحسب الملأ وكثرتهم الذين يذكر فيهم المغتاب
واعلم أخي المسلم : أنَّ الغيبة خسارة كبيرة في حسنات العبد ؛ فالمغتاب يخسر حسناته ويعطيها رغماً عنه إلى من يغتابه ، وهي في نفس الوقت ربح للطرف الآخر لذا قال عبد الله بن المبارك – وهو أحد أمراء المؤمنين في الحديث – : (( لو كنت مغتاباً لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي ))(4) . ويقول الشيخ محمد
تأمل أخي المسلم في قول النَّبيِّ في حجة الوداع فيما رواه عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه : أنه ذكر النَّبيَّ قعد على بعيره ، وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه ، قال : (( أي يوم هذا ؟ )) فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : (( أليس يوم النحر ؟ )) قلنا : بلى ، قال : (( فأيُّ شهر هذا ؟ )) فسكتنا حتى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه فقال : (( أليس بذي الحجة ؟ )) قلنا : بلى ، قال : (( فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ،
والذي يتأمل هذا الحديث يعلم حرمة الغيبة
ولنتدبر جميعاً قول النَّبيِّ حينما قال : (( لما عُرِجَ بي ، مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : مَن هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم فالمسلم الذي يحرص على نفسه يتأمل في هذا الحديث ليعلم أنَّ المغتابين يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار من نحاس ، وهي أظفار فاقت أظفار الوحوش ؛ ليزدادوا عذاباً جزاءً وفاقاً على أفعالهم القبيحة ، وأعمالهم السيئة .
ومن الغيبة : أنْ تذكر أخاك المسلم بأي شيء يكرهه حتى وإنْ لم تكن تقصد ذلك فقد صحّ أنَّ عائشة قالت: قلت للنَّبيِّ : حَسْبُكَ من صفية كذا وكذا – قال غير مسدد تعني قصيرة – فقال : (( لقد قُلْتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته )
والغيبة داءٌ فتّاكٌ وهو أسرع إفساداً في المجتمع من الآكلة في الجسد ، والغيبة تُعرِّض العلاقات للانهيار ، وتزعزع الثقة بين الناس وتغيّر الموازين وتقلع المحبة والألفة والنصرة من بين المؤمنين ، وتثبت جذور الشر والفساد بين الناس ، وقد بيّن الحسن البصري أجناس الغيبة وحدودها فقال : (( الغيبة ثلاثة أوجه ، كلها في كتاب الله تعالى : الغيبة ، والإفك ، والبهتان ، فأما الغيبة : فهو أنْ تقول في أخيك ما هو فيه ، وأما الإفك فأنْ تقول فيه ما بلغك عنه ، وأما البهتان : فأنْ تقول فيه ما ليس فيه )
ومن أعظم ما ورد في الزجر عن الغيبة قوله تعالى :
(( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : (( وقد ورد فيها ( يعني : الغيبة ) الزجر الأكبر ، ولهذا شبهها بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال :
(( أيحب أحدكم أنْ يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه )) ، أي : كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذاك شرعاً ؛ فإنَّ عقوبته أشد من هذا )
أخي المسلم الكريم ، لقد صوّرَ اللهُ الإنسانَ الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة فمثّله بمن يأكل لحم أخيه ميتاً ، ويكفي قبحاً أنْ يجلس الإنسان على جيفة أخيه المسلم يقطع من لحمه ويأكل .
والغيبة من كبائر الذنوب ، وهي محرمة بالإجماع قال القرطبي : (( لا خلاف أنَّ الغيبة من الكبائر ، وأنَّ من اغتاب أحداً عليه أنْ يتوب إلى الله )
والغيبة مرض خطير ، وشر مستطير يفتك الأمة ويبث العداوة والبغضاء بين أفرادها ، وهذا المرض لا يكاد يسلم منه أحدٌ إلا من رحم الله .
ومرض الغيبة ، كم أحدث من فتنة ، وكم أثار من ضغينة ، وكم فرّق بين أحبة وشتت بيوتاً .
والغيبة فاكهة أهل المجالس الخبيثة ، وغيبة أهل العلم والصلاح أشد قبحاً وأعظم ظلماً
ولعل من أسباب الغيبة الحسد ، الذي يحصل لكثير من الذين ابتعدوا عن مراقبة الله ، فتجد كثيرين يغتابون آخرين حسداً من عند أنفسهم ؛ لأنَّ أخاهم حصل على ما لم يحصلوا عليه .
ومن أسباب الغيبة المجاملة والمداهنة على حساب
الدين ؛ فتجد الرجل يغتاب أخاه المسلم ؛ موافقة لجلسائه وأصحابه .
ومن أسباب الغيبة الكبر واستحقار الآخرين ؛ لأنَّه يثقل عليه أنْ يرتفع عليه غيره فيقدح بهم في المجالس ؛ لإلصاق العيب بهم ، وقد قال النَّبيُّ : (( الكبر بطر الحق وغمط النا
ومن أسباب الغيبة السخرية والتنقص من الآخرين ، فإنَّ بعض الناس يغتاب إخوانه المسلمين عن طريق السخرية ، وغيرها من الأسباب والدسائس التي يوحيها الشيطان في صاحب الغيبة .
وللغيبة أضرار عظيمة على الفرد والمجتمع ، ومن أضرارها أنَّها تُعرِّض صاحبها للافتضاح ، فكلما فضحَ الإنسانُ غيرَه فإنَّ الله يفضحه ؛ إذ الجزاء من جنس العمل ، وقد قال النَّبيُّ : (( يا معشر مَن آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنَّه من يتَّبع عوراتهم يتبع اللهُ عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )
ومن أضرار الغيبة أنها أذيةٌ لعباد الله تعالى ، ومن آذى عباد الله فقد توعده الله تعالى بعذاب شديد ، قال تعالى :
(( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا
ومن أضرار الغيبة أيضاً أنها من الظلم والاعتداء على الآخرين ، ومعلوم أنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة ، وأنَّ أثر الظلم سيءٌ ، وعاقبته عاقبةٌ وخيمةٌ قال تعالى : (( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ )) [ إبراهيم .
وفي الحديث القدسي : (( يا عبادي ، إني حرّمتُ الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا )
ومن أضرار الغيبة أنها توجب العذاب يوم القيامة ، فهي من المعاصي العظيمة
ومن أضرار الغيبة أنها سبب في تفكيك المجتمع ، وإثارة الفتن وجلب العداوة والبغضاء بين الناس .
وعلى المسلم إذا سمع غيبة المسلم أنْ يتقي الله ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويذب عن عرض أخيه المسلم ويمنع المغتاب من الغيبة ؛ فإنَّ المغتاب والسامع شريكان قال تعالى : ] إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [ [الإسراء:36] وروي عن النَّبيِّ أنَّه قال: (( من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ).
تدبر أخي المسلم ، أنا لو رأينا أحداً قائماً على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه ألسنا نقوم جميعاً ، وننكر
عليه ؟! بلى فلماذا لا ننكر على من يغتاب إخواننا المسلمين ، وندافع عن أعراضهم ؟
على كل مسلم أنْ يخاف الله تعالى ، وأنْ يعلم أنَّ الغيبة معصيةٌ لله ، وظلم على المغتاب فعلى كل مسلم أنْ يتجنب الكلام في أعراض الناس ، وأنْ يعرف أنه إن وجد عيباً في أخيه المسلم ؛ فإنَّ فيه عيوباً كثيرة .
فعليك أخي المسلم أنْ تراقب لسانك لتعرف هل أنت واقع في هذا الداء ، فإنْ كنت كذلك فاعلم أنَّ من أهم أسباب التخلص من الغيبة أنْ يحفظ الإنسان لسانه ، فمن أعظم أسباب السلامة حفظ اللسان ، ومن أعظم أبواب الوقاية الصمت في وقته .
ومن أهم أسباب التخلص من الغيبة أن يستشعر العبد أنَّه بهذه الغيبة يتعرض لسخط الله ، وأنَّ قوله وفعله مسجلٌ عليه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها ، وعلى المرء أنْ يستحضر دائماً أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال تعالى : (( مَا يَلفِظُ مِنْ قَولٍ إلاَّ لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ .
ومن أسباب الخلاص من الغيبة أنّ يستحضر المغتاب دائماً أنه يهدي غيره من حسناته ؛ لأنَّ الغيبة ظلم ، والظلم يقتص به يوم القيامة للمظلوم من الظالم وقد قال النَّبيُّ
: (( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم ، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا ، أُذن لهم بدخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده ، لأحدهم بمسكنه في الجنة ، أدل بمنـزله كان في الدنيا )
فعلى المرء المسلم أنْ يشتغل بإصلاح عيوب نفسه دون الكلام في عيوب الآخرين .
نسأل الله ان يردنا إلى الحق ردا جميلا ونسأل المولى السلامة
دمتم فى حفظ الله وامنه
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.