الشرقية
مما لا شك فيه أن حديث الرئيس السيسى عن إصلاح قطاع الأعمال العام فى أثناء افتتاحه مصنع
الأسمنت فى بنى سويف منذ عدة شهور أثار موضوعا ذا شجون مختلفة . فلقد انقسم الرأى العام فى
مصر إلى معسكرين بالنسبة لهذا الموضوع، فريق من صناع الرأى والمسئولين الحكوميين والمواطنين
إلى أن كارثة الاقتصاد المصرى تعود أساسا إلى توسع الدولة فى ملكيتها للمشروعات الإنتاجية ليس فقط
من بداية توليها المبادرة بإنشاء بعض هذه المشروعات فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى بل
مضيها فى هذا الطريق بتمصيرها الشركات الأجنبية فى النصف الثانى من ذلك القرن ثم بمد يدها إلى
الشركات المصرية الكبيرة والمتوسطة وأحيانا الصغيرة بإجراءات التأميم التى انطلقت بعد ذلك وخصوصا
بين عامى 1961 ــ 1964. هذه السياسة نقلت أساليب الإدارة الحكومية إلى مؤسسات يجب فى رأيهم أن
تعمل وفقا لمنطق الربح الخاص وليس تبعا لتعليمات إدارية، وأحلت قيادات غير مؤهلة للعمل الاقتصادى
سواء كانت من المسئولين الحكوميين أو الضباط محل الرأسماليين المصريين ملاك هذه الشركات الأصليين، وبذلك حرمت الاقتصاد المصرى من مهاراتهم وقدراتهم على توليد الاستثمار، وأغلقت السوق المصرية أمام أى منافسة سواء من شركات مصرية خاصة أو من منتجات أجنبية، وهو ما أضعف الحافز على الجودة، وأدى إلى تدهور الإنتاج، وصعوبة النفاذ إلى أسواق خارجية، وفضلا على ذلك فإن احتكار الدولة لمعظم القطاع المنظم غير الزراعى وبعد قوانين الإصلاح الزراعى قوى من قبضة الحكم التسلطى، وباعد من فرص تحقيق الديمقراطية والتى كان يمكن أن ترفع لواءها برجوازية مصرية كانت فى طريقها للصعود حتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى. كما جاءت التطورات الدولية مثل سقوط النظم الاشتراكية فى أوروبا الشرقية وتحول الصين إلى تشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية ونجاح دول شرق آسيا خصوصا وبعض دول أمريكا اللاتينية فى الارتقاء إلى مصاف الدول الصناعية الجديدة لتدعم اعتقاد هذا الفريق بأن توسع القطاع العام فى مصر كان خطأ نجم عن الانجذاب نحو النموذج الاشتراكى الذى ثبت من وجهة نظره فشله التام اقتصاديا وسياسيا.
أما الفريق الأخر لاتقنعه هذه الحجج و الذى رأى فى توسع دور الدولة فى الاقتصاد نتيجة لإخفاق النموذج الرأسمالى فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952. فمع تسليم هذا الفريق بأن الاقتصاد المصرى كان ينمو منذ النصف الثانى من الأربعينيات إلا أن هذا النمو لم يكن كافيا لتوفير العمالة حتى لخريجى الجامعات ويشيرون فى هذا الصدد ليس فقط للإحصائيات ولكن لما سجلته أعمال أدبية لروائيين ليبراليين مثل القاهرة الجديدة لنجيب محفوظ، ناهيك عن الفشل فى تخفيف حدة البطالة أو الفقر فى الريف المصرى، يضيفون إلى ذلك أن هذه الرأسمالية المصرية والتى تولى بعض رموزها أعلى المناصب الحكومية لم تقدر على كبح النزعة الفردية فى قمة النظام الملكى ولا التمكين لحزب الأغلبية أن يكمل أى فترة برلمانية فى الحكم. ويشيرون إلى أنه مع كل الصعوبات الاقتصادية التى عرفتها مصر فى سنوات الستينيات، فقد كانت أعلى معدلات النمو المتوازن فى تاريخها هى فترة الخطة الخمسية الأولى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 1961 ــ 1965، وأن القطاع العام ساهم فى توفير حاجات المواطنين خلال سنوات حرب الاستنزاف وحتى حرب أكتوبر فى 1973، كما أنه أفرخ العديد من القيادات الاقتصادية فى مجالات متعددة، كما أنهم يرون أن القطاع العام هو رمز الإنتماء إلى كل ما هو مصرى .