القضاء والقدر
كتبت / ناهد عثمان
“عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه قال :خرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ ﷺ ونحنُ نتَنازعُ في القَدرِ فغَضبَ حتَّى احمرَّ وجهُهُ ،
حتَّى كأنَّما فُقِئَ في وجنتيهِ الرُّمَّانُ ،
فقالَ : أبِهَذا أُمِرتُمْ أم بِهَذا أُرسلتُ إليكم إنَّما هلَكَ من كانَ قبلَكُم حينَ تَنازعوا في هذا الأمرِ ،
عزَمتُ عليكم ألَّا تتَنازَعوا فيهِ”
الترمذي (2134)
شرح الحديث 😕
في هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: “خرَج علينا”، أي: نحنُ صحابةَ رَسولِ اللهِ ﷺ “رسولُ اللهِ ﷺ
ونحنُ نتَنازَعُ في القَدَرِ”،
أي: نتحدَّثُ في أمرِ القَضاءِ والقدَرِ ونَختَلِفُ فيه،
“فغَضِب حتَّى احمرَّ وجهُه”، أي: فغَضِب النَّبيُّ ﷺ
حتَّى بانَتْ علاماتُ الغضَبِ في وَجْهِه ﷺ ،
حتَّى كأنَّما “فُقِئ”، أي: فُقِعَ ونُثِر “في وَجْنتَيه”،
أي: في خَدَّيه، “الرُّمَّانُ”، أي: حَبُّ الرُّمَّانِ، فاحمَرَّ وجهُه مِن الغضبِ،
“فقال”، أي: النَّبيُّ ﷺ مُنكِرًا: “أبِهذا أُمِرتُم”، أي: هل أمَرَكم اللهُ بالانشِغالِ والتَّنازُعِ في هذا الأمرِ؟!
وهذا استنكارٌ مِن النَّبيِّ ﷺ لفِعْلِهم، “أم بِهذا أُرسِلتُ إليكم؟!”، أي: هل أرسَلني اللهُ إليكم بمِثلِ هذا ولأجْلِ هذا؟!
وهذا استِنْكارٌ آخَرُ منه ﷺ ، “إنَّما هلَك”
مِن الهَلاكِ والضَّياعِ والانحرافِ، “مَن كان قَبْلَكم”،
أي: مِن الأُممِ السَّابقةِ الهالِكَةِ، “حين تَنازَعوا في هذا الأمرِ”، أي: حين تَحدَّثوا في أمرِ القدَرِ واختَلفوا فيه.
والقدر سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل ،
بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين فرقة خلقهم للنعيم فضلا وفرقة للجحيم عدلا ،
وسأل رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أخبرني عن القدر قال : طريق مظلم لا تسلكه ، وأعاد السؤال فقال : بحر عميق لا تلجه ، وأعاد السؤال فقال سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه (2)
والقدر لغة بمعنى التقدير ، ويُعَرف بأنه : علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل ،
أما القضاء فهو بمعنى الحكم ، ويُعَرف بأنه : إيجاد الله تعالى الأشياء حسب علمه وقدرته ،
وما أجمل جواب الإمام أحمد عندما سئل عن القدر فقال : القدر قدرة الرحمن . والإيمان بالقدر يشمل درجتين الدرجة الأولى ) الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا ،
وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ، ثم كتب الله تلك المقادير في اللوح المحفوظ
قال تعالى ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً )
ثُمَّ قال ﷺ : “عزَمتُ عليكم”، أي: أوجبتُ عليكم وأكَّدتُ عليكم وأقسمتُ عليكم،
“ألَّا تتَنازعوا فيه”، أي: ألَّا تتَحدَّثوا في القدَرِ، ولا تبحَثوا فيه ولا تتَناقَشوا فيه ولا تَختَلِفوا فيه حتَّى لا تَهلِكوا كما هلَكَت الأممُ قبلَكم،
وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه،
وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛
فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.