الـنـداهـة
إيمان العادلى
في فترة الظلام الحالك من الليل، وفي عز الغموض والرهبة حوالين المصارف المائية والترع، سيدة فاتنة جميلة أو شخصية بعيدة أو ميته عزيزة على الضحية..
تقوم بالنداء بإسم شخص من الي بيكونوا بيمروا في نفس الوقت والمكان قدام الترعة أو المصرف المائي.
الشخص ده لما بيسمع اسمه بيفضل ماشي ورا مصدر الصوت لحد ما يتم سحره واستدراجه وتاني يوم بيلاقوه جُثة هامدة ..
لو نجت الضحية من الموت فَبيتم إصابتها بالجنون ومش بتكون فاكرة أي حاجة وده أقل ضرر الكيان ده ممكن يسببه..
حكايات كتير جدًا عن الكيان المُخيف ده الي بيستنى لما تكون لوحدك في مكان مُظلم وبعدين يتجسد على هيئة حد تعرفه أو حتى متعرفهوش ويبدأ ينادي باسمك ويناديك عشان تروح له..
ووسط هدوء الليل وسكون الحقول بتكتر الهمسات ..
النداهة اسم استخدمه أهل القُرى الريفية بمصر عشان يوصفوا كيان مُرعب بيطاردهم عن طريق أنه ينادي على اسماءهم بصوت ساحر جميل عمر ما حد سمع زيه قبل كده،
والنداهة من النداء ولكن كوّن الكيان ده غالبًا أنثى وبيرصد الذكور فكان الاسم .. النداهة!.
وفي قُرى الريف المصري مُنتشرة حكايات عن النداهة وتُعتبر مُصدقة بشكل مُطلق، ولكن الناس هناك بينقسموا لقسمين قسم مصدق بوجود النداهة وإنها كيان مُظلم من الجن قادرة إنها تسحر أي راجل عشان توقعه في شباكهها وقسم تاني بيقول ما عفريت إلا بني آدم ومش مصدق في وجودها..
الحاج عبد الخالق محمد، راجل عجوز عُمره تخطى التسعين بيحكي موقف حصل له شخصيًا مع الكيان المُرعب ده وبيقول..
أنا قابلت النداهة زمان أوي، في الوقت ده القرية مكنش فيها نور والكهرباء كانت لسه موصلتش، الضلمة كانت شديدة في كل مكان، وخصوصًا مع حلول آذان المغرب كل شيء من بعده بيتحول تدريجياً للظلام القاتم..
فاكر في اليوم ده كنت مروّح انا وزوجتي من فرح واحد قريبنا واتأخرنا هناك لبعد العشاء، وفي سكتنا راجعين كنا بنمر جنب ترعة صوت سريان المياة فيها كان هو الصوت الوحيد الي تقدر تسمعه وسط الحقول الواسعة والبساتين..
الدُنيا كانت ضلمة لما فجأة سمعت صوت بينادي..
الصوت اتكرر كان بينادي بإسمي، فبصيت ورايا لقيت بنت جميلة جدًا في العشرينات من عمرها، قاعدة جنب الترعة، على الرغم من الضلمة الشديدة إلا انك تحس وكأن في طاقة نور قدام وشها هي بس، فكنت قادر استوضح كل ملامحها..
لقيت نفسي كأني مسحور وماشي ناحيتها في استسلام تام، لما يعدت عن مراتي الي أخدت بالها ففضلت تصرُخ وهي مفزوعة ..
صوت صراخها العالي صحاني من الغفلة الي كنت فيها، فوقني من حالة التوهان والاستسلام الغريب للنداهة..
النداهة الي قالت بصوت ساخر وهي بتنزل الترعة وبتختفي في المياة.. في يوم من الأيام هتكون ليا..
وبعدين بصت لمراتي وقالت .. أنتي أنقذتيه مرة لكني كده كده هاخده منك!.
الأسطورة بتقول إن مش شرط للشخص المندوه أنه ينجو أو يتعرض للقتل وانما من الممكن إنه يختفي وميظهرش تاني ..
أحيانًا النداهة ممكن تقع في حب الشخص المندوه وتأخده معاها للعالم السُفلي الي هي بتنتمي له، وتتجوز منه هناك، وفي الحالة دي بيختفي الشخص ده كُلياً عن العالم الحقيقي الي بنعيش فيه..
المُثير إنه ممكن بعد كده يظهر تاني فجأة، ولكن مفيش وقت بيعدي إلا وبيموت، والحكاية الشعبية عن الوفاة بتكون بسبب النداهة الي خطفته للعالم السُفلي الي رفض انه هو يكمل فيه فبتضطر إنها تنتقم منه وتقتله خوفًا من إنه يكشف أسرار العالم السُفلي..
وزي ما بتحكي سارة الاسكندراني عن جدها الي حكى لها عن حادثة حصلت له مع النداهة فقالها “كنت طفل عندي سبع سنين، عايش في واحة من واحات الصحراء الغربية، كان طول الوقت بيحب يلعب في الطرق والشوارع مع الأولاد من سنه لما في ليلة حصل ما لا يُحمد عقباه”!.
بيقول الرجل العجوز لحفيدته إنه في الليلة دي شاف بنت قاعدة على جانب الطريق مغطية وشها وبتبكي بشكل فظيع، فقرب منها وسألها عن السبب الي مخليها تعيط كده في وسط اللامكان..؟
البنت شالت الغطاء عن رأسها وبصت للولد الصغير عشان يشوف الولد أجمل بنت شافتها عنيه في حياته ولحد وقت ما حكى الحكاية دي..
على حسب وصفه.. كانت أجمل من بنات البندر والانجليز ولكنها كانت غريبة جدًا كان نصها بشري والنُص التاني من الجن!.
جمالها كان آخاذ فمهتمش وقال يمكن دي تهيؤات وإنه موهوم لكن هو كان حاسس أنه مُسير مش مُخير أنه يساعدها، وأنه واقع تحت تأثير شيء هو مش فاهمه لكنه كان مبسوط..
طلبت البنت الجميلة دي منه إنه يمشي معاها شوية وفعلاً فضلوا لمدة ساعة ماشيين في وسط اللامكان عبر الواحات بالصحراء البعيدة..
كان حاسس إن لسانه مربوط وإنه مش قادر يتكلم غير الكلام الي هي عايزاه يقوله، وإن عيونه مسحورة فمش قادر يبُص على حد غيرها..
هي قالت له إنها عايزاه يروح معاها للعالم بتاعها لأنها هناك عايشة لوحدها، وأنها اختارته هو من وسط كل البشر إنه يكون معاها..
فضل جنبها في السكة لمدة زادت عن الساعة لما شافهم رجل ماسك في ايده كشاف من بدو الواحات في عز الضلمة ونادى على الطفل الي انتبه له وفجأة بيبُص جنبه لقى البنت اختفت كأنها فص ملح وداب..
في العموم وعلى الرغم من اختلاف الروايات على كون “النداهة” من عالم البشر أو عالم الجن فالنداهة دايمًا وحسب وصف الأشخاص الي بيقولوا انها تعرضت لهم، هي بنت جميلة جدًا عينيها الاتنين لونهم أحمر وفي الغالب بتكون لابسة فستان أبيض، مش بتقدر تطير لكنها تقدر تُحلق أعلى من مُستوى الأرض بسنتيمترات وده بيزودها بسرعة فائقة تقدر من خلالها في المُطاردات إنها تتفوق على سُرعة الضحايا..
بالغالب وحسب الرواة.. بتكون موجوده تحت الأرض في العالم بتاعها، وعشان تظهر في العالم الحقيقي فبتختار أماكن مُعينة زيّ بيت مهجور أو قُدام ساقية الأرض في الحقول، أو على شواطئ الترع والبُحيرات الصغيرة ..
بتنادي على الشخص المقصود بإسمه وبتحاول تستدرجه للمكان الي هي موجوده فيه بغرض اصطياده..
أحياناً تانية فهي ممكن تتشكل على هيئة شخص عزيز على الضحية وتناديه مش بس بإسمه بل بتنادي بذكرى عزيزة عليه..
شلة صُحاب من أهالي قرية صغيرة بمحافظة الشرقية بيحكوا عن موقف تعرضوا له لما مرة كانوا متفقين يتقابلوا بليل في الحقل الواسع واتجمعوا فعلاً ماعدا صديق لهم اسمه رضا..
بدأوا يلعبوا سوا ويمرحوا طول الليل بعد المغرب لحد ما بدأ الليل يزيد في ضلمته وبدأت العتمة تسود السماء من فوق..
سمعت المجموعة كلها صوت بينادي عليهم واحد واحد بأساميهم من ناحية الترعة القريبة من الحقل الي كانوا بيلعبوا فيه، فقرروا كلهم يروحوا ناحية الصوت..
الصوت كان فظيع، تحس إن مفيش فيه روح، الأسامي بتتنطق بصوت قريب للهمس رغمًا من إنه صوت عالي، لكن مش طبيعي إطلاقًا..
كل ما كانوا بيقربوا من الصوت واحد من المجموعة بيرجع وميكملش، الأراضي الزراعية بحد ذاتها مليانة قصص مرعبة، ووانت ماشي مش شايف كف إيدك حتى بتكون رجلك سايبة انت مش عارف بتدوس على إيه..!؟
المجموعه اتحلت ومتبقاش غير واحد بس هو الي وصل لحد الصوت بالفعل..
أول ما شاف صاحب الصوت لقى أنه رضا صاحبهم واقف على الترعة بيدخن سيجارة ومش مُهتم بيه لكنه كان واضح جدًا ملامحه كانت واضحة أوي..
بص ناحية الولد وسأله عن بقية أصحابه فجاوبه الولد انهم وراه وخافوا ييجوا ..
فجأة رضا ملامحه اتغيرت مرة واحدة واتحول لكيان مُخيف غاضب بيبُص للطفل الي اتفزع واترمى على الأرض من الخوف..
الكيان ده سابه ونط في المياة واختفى للأبد..
الولد لما فاق من الي هو فيه قام وطلع يجري على أصحابه وحكى لهم عن الي شافه فبسرعة طلعوا يجروا على اقرب بيت لواحد منهم وحكوا لوالدته عن الي حصل والي قالت لهم إن ده جن مسحور حاول يسحرهم وياخدهم معاه للعالم السُفلي..
الغريب انهم تاني يوم الصُبح راحوا على بيت رضا يسألوه عن مكانه ليلة إمبارح فقالهم إنه بقاله يومين قاعد في البيت تعبان ومتحركش من مكانه!!.
وسط الأساطير والحكايات الي اتَحكت عن النداهة والعالم السُفلي الي هي عايشة فيه، حاول كتير من الأهالي إنهم يستخدموا السحر الأسود والدجل والشعوذة في مُحاولة للوصول للنداهة والعالم السُفلي الي هي عايشه فيه كنوع من المُقاومة والتغلب عليها وكأن ده خط الدفاع الوحيد المُتبقي لهم..
في العموم الندّاهة كيان مُرعب نشط واستخدمه أهل الريف المصريين من زمان، في ناس بتفسر الموضوع على إن الأسطورة دي الي زرعها سيدات المجتمع الريفي عشان يخوفوا الرجالة من الوقوع في شباك السيدات الي بتغويهم وناس تانية بتقول إنها كانت طريقة أو حيلة من حيل المجرمين عشان يداروا على جرايمهم بأنهم ينسبوها للنداهة..
وأي حد جرب يعيش في منطقة من مناطق الريف المصري أو حتى بالمناطق الصحراوية البعيدة فأكيد في مرة من المرات صادفته إنه سمع حكاية من حكايات النداهة..
في النهاية.. لو أنت من أهل الريف أو المناطق الصحراوية دي فخلي بالك المرة الجاية لما تسمع اسمك بيتنادى من بعيد .. لأن دي في الغالب النداهة ..