وفي 7 مارس من العام 1969م تلقت الصقور المصرية برقية سرية عاجلة من أحد أخطر عملائها في إسرائيل وكانت الرسالة تؤكد علي نجاحه بوسيلة شديدة التعقيد في الحصول علي كراسة خاصة بها كل تفاصيل وتصميمات ونظريات عمل صاروخ هوك
وتتضمن أيضاً صور واضحة ورسوم فنية وحسابات رياضية معقدة تشرح طريقة عمل وتشغيل الصاروخ وطرق التعامل معه
وعلي الفور تشكلت لجنة لدراسة هذا التطور المفاجئ واتخاذ القرارات المناسبة بشأنه …
وفي الواقع لم تكن مهمة تلك اللجنة سهلة كما يعتقد البعض فالكراسة الكبيرة الحجم عبارة عن (242) صفحة بحجم متوسط وعلي غلافها شعار الجيش الإسرائيلي وبعنوان (سري للغاية) مما يجعل عملية نقلها محفوفة بمخاطر كثيرة حتي داخل إسرائيل نفسها
وفي ذلك المبني العظيم الذي يتسم بالهدوء دوماً وعلي المائدة المستديرة وسط أقداح القهوة الفارغة التي ملأتها ..اجتمع الصقور ودرسوا الأمور وفندوا السطور وعم صمت طويل امتد ساعات ليست بالقليلة علي المكان ليزداد هدوءاً مُخيفاً
وفجأة تبدد ذلك الصمت الرهيب بصوت حاسم لأحد الصقور والذي قال: يا سادة إني أقترح أن يتم تصوير الكراسة المنشودة بالميكروفيلم وأن يتم إرساله إلي القاهرة
ولكن الوثيقة كانت نادرة للغاية ولم يكن في مقدرة العميل الاحتفاظ بها طويلاً نظراً لما يمثله هذا من خطورة بالغة عليه واحتمالات لكشف أمره كما أنه من المحتمل أن يتعرض الميكروفيلم إلي الضياع أو التلف إبان عملية تهريبه ونقله من إسرائيل… إلي مصر
وهكذا تم اتخاذ قرار من النادر إتخاذه في مثل تلك العمليات فلقد تقرر أن يقوم العميل الذي يحمل الكود(0.006) بتصوير الكراسة السرية ثم يحتفظ بالميكروفيلم حتي يأتي من يتسلم منه الكراسة
وبعد ذلك يتم إرسال الميكروفيلم بالوسائل المتعارف عليها إلي القاهرة بحيث يضمن هذا الازدواج وصول المعلومات بأي من الصورتين إلي الصقور المصرية
ولأن تلك العملية لقيت اهتمام بالغ للغاية لذا طلبت الصقور المصرية من العميل(0.006) أن يتوقف نهائياً عن أي نشاط سري وأن يغلق جهاز اللاسلكي الخاص به حتي تنتقل الكراسة والفيلم منه إلي الطرف الآخر
وبعد بحث دقيق للغاية ودراسة استغرقت عدة ليالي طويلة وقع الإختيار علي العميل لي تاو للقيام بتلك المهمة وكان ما كان كما تم العرض في بداية السرد وليس في الإعادة إفادة يا سادة
وفي 2 مايو من نفس العام وصل لي تاو إلي إسرائيل وراح يتسكع داخلها بدون هدف في انتظار الموعد الذي تم تحديده لبدء مهمته الحساسة للغاية بعد (14) يوم بالضبط
في الواقع لم يكن ذلك الإنتظار من مجال العبث أو السهو ..فهذا مرفوض تماماً في مجال عمل المخابرات ..فلقد اتخذت الصقور المصرية احتياطاتها حتي تتجنب أية محاولات مراقبة أو شكوك قد تحدث للصيني تاو قبل بدء عمليته
كما ان تلك الفترة لم تكن وردية بالنسبة لتاو فبمجرد أن اتصل ببيوت الشباب في القدس علي رقم (22073) والذي ربما مازال يتم استخدامه حتي الآن …أعلمه أحد المسئولين هناك انهم لا يستطيعون قبوله لأن عمره قد تجاوز (25) عام
وكانت صدمة صغيرة للشاب الصيني الذي لم يكن يحمل معه نقود تكفي لحياة البذخ لذلك ساقته قدماه إلي فندق متواضع في أحد الشوارع الخلفية الصغيرة في القدس يتماشي مع إمكانياته البسيطة
وبكل حماس بدأ تاو يسعي للبحث عن عمل وهو يحمل جيتاره الصغير…وتكلل ذلك البحث والعناء المُضني بالوصول إلي إتفاق علي إحياء عدد من الحفلات
وعند بِركة القوارب التي تقع أمام فندق يُدعي هولي لاند في القدس قدَّم لي تاو إحدي حفلاته وجرت أنامله علي أوتار جيتاره البسيط لتعزف ألحاناً عذبة حازت إعجاب الحضور وتحديداً فاتنة إسرائيلية من أصل أسباني صفقت له في حرارة عندما انتهي من عزفه
ثم وثبت تلك الفاتنة الإسرائيلية علي خشبة المسرح وقَّبلَّت وجنتي تاو وصافحته بحرارة وعندما عادت إلي مكانها كان تاو مُحْمَر الوجنتين وأنامله تقبض بقوة علي ورقة صغيرة تلقاها من صاحبة القُبلتين
وبمجرد ان عاد تاو إلي حُجرته فتح الورقة وقرأ ما بها وكان محتوي الرسالة كالتالي: تل ابيب …منزل بروديتسكي في تمام الساعة 4:00 بعد الظهر
وتبعاً لما تلقاه لي من معلومات قام بحرق الورقة وانتظر حتي تحولت بأكملها إلي رماد أسود قام بإلقائه في الحوض وترك المياه تتولي باقي الأمر …ثم حمل جيتاره البسيط وسافر إلي تل ابيب في اليوم التالي مباشرة وهناك اتجه إلي منزل بروديتسكي كما قرأ في الورقة
ويقع منزل بروديتسكي هذا في قلب إسرائيل في منطقة هادئة وهو عبارة عن مبني مكون من (3)طوابق علي شكل زاوية منفرجة والذي وصل إليه تاو في تمام الساعة 3:50 م واتجه إلي شجرة وحيدة علي مسافة (6) م منه فجلس تحتها صامتاً وهو يحمل جيتاره البسيط علي رُكبته
وفي تمام الساعة 4:00م وصلت الفاتنة الإسرائيلية وأشارت إليه فلحق بها في سيارتها وانطلقت السيارة بهما إلي منزلها في شارع يدعي مندل
وطوال الطريق لم تتبادل الفاتنة الإسرائيلية كلمة واحدة مع تاو والتزم هو الصمت بدوره كأي جاسوس مُلتَزِم مُطيع حتي توقفت السيارة وصعدا الإثنان إلي شقتها في الدو الثاني
فأخرجت الفاتنة مفتاحها ودسته في ثقب الباب ولكنها لم تفتحه مباشرة بل مررت أصابعها أولاً علي الحافة الخشبية للباب حتي لامست أصابعها شعرة رأس دقيقة فانتزعتها من مكانها بدقة مثلها مثل أي جاسوسة مُدَربة تتبع إجراءات الأمن بمنتهي الدقة ثم فتحت الباب ودعت تاو للدخول
كانت الشقة أنيقة الأثاث وبسيطة وبمجرد أن دخل تاو ألقي جسده فوق أول مقعد وقعت عليه عيناه ولهث في قوة فابتسمت الفاتنة وسألته : هل تشعر بالإرهاق؟؟
فهز رأسه بالنفي ثم قال: إنه فقط الإنفعال
فأطلقت الفتاة ضحكة قصيرة ثم أشارت إليه وهي تقول: سواء كان الأمر إرهاق أو إنفعال فسأطلب منك النهوض من هذا المقعد …
فنهض تاو بسرعة وارتباك وهو يقول : آه…معذرة …كان ينبغي أن أستأذن أولاً
فضحكت الفتاة مرة أخري وهي تقول : لقد أسأت الفهم مرة ثانية
وانحنت الفتاة علي المقعد وضغطت علي مسنده ثم دفعته جانباً بقوة ودست يدها في الفراغ الرقيق بينه وبين وسادته الأفقية ثم جذبتها وهي تحمل كراسة مواصفات الصاروخ هوك
ولمدة (4) ساعات كاملة انهمك تاو والفاتنة في انتزاع شريحة في ظهر الجيتار ثم قاما بدس الكراسة في الفجوة التي نتجت عن ذلك الأمر ثم أعادا لصق الشريحة فوقها
وفي الحقيقة لقد واجه كلاً من تاو والفاتنة صعوبات كثيرة حتي نجحا في هذا فالكراسة لم تستقر في مكانها إلا بعد وضعها في كيس من النايلون ولصقه بإحكام في باطن الجيتار
وبينما غط لي تاو في نوم عميق نهضت الفتاة إلي حُجرة مكتبها وأرسلت رسالة لاسلكية إلي القاهرة لتُعلن للصقور المصرية أن الكراسة قد خرجت من حوزتها وأن الميكروفيلم قد تم إرساله منذ عدة ساعات إلي القاهرة ضمن حركة نقل منتظمة تمر بعدة أماكن عبر عدد من العملاء من جنسيات مختلفة
وقبل أن يتعجب القارئ ..أود ان أجيب علي تساؤل …نعم الفتاة تعمل مع المخابرات العامة المصرية وتم تجنيدها