سلسلة حلقات جديدة من الجاسوسية من تاريخ المخابرات المصرية
على أرض ليبيا سنة 1936 جرى لقاء هاديء وديع بين راعيتين من راعيات الغنم 00 مصرية إسمها ( هاجر ) وأخرى قالت أنها من ليبيا وإدعت أن إسمها ( خديجة ) وكانت خديجة هذه منقبة وتضع على عينيها نظارة سوداء وترتدى ثيابا واسعة تغطيها بالكامل ولم يكن يظهر منها شيء لأنها تلبس فى يديها قفازا وفى قدميها جوارب سوداء وخفا سميكا 0
تعارفت الفتاتان وتعاونتا على ما مع كل منهما من غنم وماشية إلى أن أصبحتا صديقتين تعملان معا على رعاية القطيعين ولم يفت هاجر أن تبدى ملاحظة لصديقتها عن هذا التخفى العجيب واللكنة التى تتحدث بها وبررت خديجة ذلك بأنها تقاليد قبيلتها العريقة ألا يبدو منها شيء وأن اللهجة راجعة إلى ما إستمدته من أهلها ولأنها نطقت بكلماتها فى سن متأخرة 0
وكانت عادة الرعاة فى ذلك الحين أن يتنقلوا ما بين مصر وليبيا بدون أية موانع على الحدود كل ماهنالك أنهم كانوا يستخرجون تصاريح من الشرطة فى البلدين وأينما يسقط المطر وينبت العشب يمضون بغنمهم دون أية عوائق 00 وكانت الفتاتان تلتقيان ضحى كل يوم وتفترقان فى المساء إلى أن شعرتا أن الوقت قد حان لمغادرة ليبيا فى طريقهما إلى مصر حيث أنالمطر فيها أصبح أكثر غزارة 00 وبحثت هاجر ذات يوم فى جيوبها عن التصريح الذى يتيح لها العودة إلى بلدها فلم تعثر عليه وظنت نفسها قد تركته فى جيب ثوب آخر وعندما فتشت فى جيوب ثيابها القليلة لم تعثرعليه وإنزعجت لذلك لكنها دهشت لأنها فى يوم تال وجدته فى نفس الجلباب الذى كانت ترتديه وبحثت فيه يومئذ عن التصريح بدقة ومع ذلك لم تجده لكن فرحتها بالعثور عليه جعلها لاتفكر فى الأمر طويلا 00 وصارحت خديجة بذلك إلا أن هذه لم تبد إكتراثا بالأمر 0
وعند عبور الحدود الليبية المصرية دقق ضابط الحدود فى تصريح خديجة وتشكك فيه قليلا ثم تركها تمضى وتعبر مع صاحبتها والأغنام وإنطلقتا معا عبر السلوم إلى مرسى مطروح ومع كل منهما طعامهما وثيابهما وبعد بضعة أيام إختفت خديجة وماشيتها فجأة 0
دهشت هاجر لإختفاء صديقتها الليبية فجأة وبحثت عنها طويلا وفكرت فيها كثيرا لكنها لم تستطع أن تفسر الأمر وما خطر ببالها أن تبلغ الشرطة فإن ذلك يحدث كثيرا
وتصورت فى لحظة أن صاحبتها قد مضت بعيدا بأغنامها وأنها ضلت طريق العودة ووجدت مرعى خصيبا لأغنامها فبقيت فيه وربما عادت بعد بعض الوقت 0
وكانت خديجة قد قادت أغنامها فجرا ومضت بها إلى مرسى مطروح حيث تركتها وديعة لدى أحد النجوع مدعية أن هذه الأغنام مملوكة لفتاة إيطالية ستصل من ليبيا بعد يومين وأنها تتركها إلى أن تأتى صاحبتها لتأخذها 0
ومضت خديجة إلى الخلاء حيث خلعت كل ثيابها الطويلة الفضفاضة ودستها فى كيس ملابسها وإرتدت فستانا أنيقا وتركت شعرها الأصفر الطويل للهواء يداعبه وإختفت خديجة للأبد لأن الفتاة فى حقيقة الأمر لم يكن إسمها كذلك بل كانت فتاة إيطالية تحمل إسم ( ماريانا ) وقد حققت النجاح فيما سعت إليه من عبور الحدود الليبية المصرية بتصريح مزور وهاهى تدخل إلى قلب مدينة مرسي مطروح تبحث عن مكان تقضى فيه ليلتها ودلوها على نزل بالغ التواضع 0
وبعد يومين ذهبت ماريانا إلى حيث أودعت خديجة الأغنام وإستلمتها ثم تخلصت منها بالبيع وأعلنت عن إعتزامها بناء فندق صغير جميل قريب من شاطيء البحر وقد نجحت فى إقامته وبتزويده بكل ما يمكن أن يدخل البهجة والسرور والراحة لنزلائه 00 وإرتفعت لافتة صغيرة فوق باب الفندق تحمل إسم ( داليا ) وبدأ الناس يفدون إليه كمقهى وقدم إليه من يأتون من خارج المدينة ليقضوا الليل فيه 0
إشتهر فندق داليا وأصبح مكانا لتجمع ضيوف المدينة بل وسكانها لما فيه من كل ما يمتعهم من طعام وشراب 00 وقد إستطاعت ماريانا بلطفها وظرفها أن تضفى على المكان سحرا خاصا به وبها وكانت جميلة إلى حد أن الجميع كانوا يتطلعون إلى مصادقتها ونيل رضاها وهى من جانبها حرصت على أن توزع إبتساماتها وكلماتها وإهتماماتها على كل رواد فندقها الذى أصبح معروفا لأهل البلدة وما من واحد منهم إلا ويعرف مكانه وكان أصحاب العربات التى تجرها الخيول يحملون إليه من يهبطون محطة القطار أو السيارات العامة ورشحه الأصدقاء لبعضهم فى الأسكندرية لينزلوا به حتى صار أشهر مكان فى المدينة الجميلة الساحرة التى بدأ الناس يتعرفون عليها ويأتون إليه لقضاء بضعة أيام خلال فترة الصيف ينعمون فيه بالجو الممتع وبالبحر وفندق داليا ورويدا رويدا نسى الجميع إسم ماريانا وصاروا يسمونها داليا 0