العاصمة

في العزلة الجبرية .. تجربة السرية، مفتش عنه الجزء ٢

0
علاء حمدي
كتبت د ليلي الهمامي
حالتي في السرية ليست حالة استثنائية، لكنها بكل تأكيد، حالة خاصة… كان الألم فيها مضاعفا، وكنت وحيدة تماما، معزولة عن القبائل السياسية المتضامنة والمتحدة في مواجهاتها وفي سردياتها، عددا وتنظيما ولوجيستيا…
وأنا، في مواجهة هذا العبث أجد نفسي وحيدة منعزلة في اقامتي الجبرية، لا أحد يساندني، لا أحد يتضامن، لا أحد يسأل، لا أحد يتواصل… لا أحد على الاطلاق!!!
أن تكون وحيدا في العالم، ان تكون منفيا ومعزولا قسرا وبصفة جبرية، فهذا يفاقم الالم،،، هذا يعظم البؤس والشعور بالاضطهاد والحيف والظلم كم هو قاس ذلك الشعور… قهر يتضخم عندي لانني لم أكن في يوم من الايام جزءً من تلك الجموع السباسية التي تتحابب وتجتمع وتتصارع وتفترق وتطلب اشياء لنفسها وتلتئم وتتلاءم وتتناغم مع ما يطلب منها…
وحدتي وعزلتي كانتا حالة مخصبة فكريا على قسوتها…
في تلك العزلة الطويلة، وفي ذلك القبو المظلم، وفي تلك الوحدة القاتمة يدفعك شعورك بالخوف، الى طلب الأقصى، فيصل بك الخوف الى ان تتمنى النهاية… أن تتمنى أن يقبض عليك، لتنتهي المأساة، ليضمر وينهار الشعور بالخوف… ذلك الغول الذي يلتهم الذاكرة، الذي يلتهم الذهن والذي يشوش المخيلة…
غول الخوف… كأن طلب النهاية هو كالذي حُكم
عليه بالإعدام ويرجو أن يُحسم مصيره لا محالة.
العذاب في أن تنتظر شيئا سيئا، والخلاص في أن يحصل ذلك الشيء السيء ليحررك من خوفك… تلك هي المفارقة وذلك هو العنوان الابرز والاكثر بشاعة للحرية….
ان تكون في دور الفريسة فذلك يعني انك كالحيوان تماما، في موسم الصيد… ذلك يعني أن اي امني أو مخبر يمكن ان يلقي عليك القبض… انت فريسة انت عرضة… انت فقط هدف،،، فقط هدف… لست شيئا اخر… انت ما يعادل ثلاثة ترقيات لعون الامن او ثلاثة حوافز للمخبر… انت لا شيء… انت لا توجد… انت لست انسانا، لست ذاتا ولا ذاكرة ولا حرية ولا طموحا ولا ذكريات ولا شيء… انت لا شيء إطلاقاً، انت فقط هدف. والكل يسعى لإيقافك؛ القاء القبض على من يجسد الشر كما ارادوا ان يقنعوا الناس بذلك.
ان تكون فريسة، فذلك يعني ان تستبطن ألما ورعبا وخوفا… ذلك الموجود المسكين الذي تلاحقه فوهات البنادق في الفجاج الوعرة… الكل يصطاده والكل يراهن على الصيد واصطياده… تلك هي أنا.
ليس ثمة مشاعر أكثر ألما وأكثر حسرة من أن تكون فريسة….
في تجربة السرية او في إقامتي في السرداب حصلت على يقينيات… على ثوابت لن تمّحي من ذهني ولن تغفلها ذاكرتي… أن أبشع أشكال العقاب والألم لدى الانسان هي الوحدة!!! أن تُعزل، أن تُفصل عن المجتمع، وأن يُحكم عليك بأن تكون وحيدا..، أن تكون خارج سياق الوجود الإنساني، أن يُدفع بك نحو الانتحار، أن يُدفع بك نحو التوحش… وهذا أبشع أشكال العقاب،،، أبشع أشكال الألم…
د. ليلى الهمامي.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار