العاصمة

فظللت أستغفر الله منها ثلاثين سنة

1

 

كتب حاتم الورداني علام

 

▪️ الحمد لله الذي جعل الاستغفار سفينة النجاة من أمواج الذنوب، وفتح لعباده أبواب رحمته، وشرع لهم ما يُطهِّر نفوسهم، ويُصفِّي سرائرهم، ويُزيل أدران المعصية من قلوبهم،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله ، القائل: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا».

📚 أخرجه ابن ماجه (3818) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10289)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (647) باختلاف يسير،من حديث عائشة رضي الله عنها.

اللهم صلِّ على خيرِ مستغفر، سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي قال: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة»

📚 رواه مسلم، رقم: 2702).

أما بعد .

● في رحلة الإيمان والعبودية، قد تمر بنا كلمات نسمعها فنقف أمامها بذهول، لا لغرابتها، بل لعمقها الهائل.

ومن أعظم هذه العبارات ما قاله الإمام السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ، أحد أعلام الورع والزهد، حين قال عن كلمة (الحمد لله) التي نطق بها عندما نجا دكانه من الحريق: “ظَللْتُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً”

● قصةُ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ رحمهُ اللهُ .

رُوِيَ عن أبي بكرٍ الحَرْبِيِّ رحمهُ اللهُ قالَ:

سمعتُ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ يقولُ:

«احترقَ السُّوقُ، فقصدتُهُ، فلقيني رجلٌ فقالَ: أبشِرْ، فإنَّ دكَّانَكَ قدْ سَلِمَ.

قالَ السَّرِيُّ: فقلتُ: الحمدُ للهِ.

ثمَّ مضيتُ غيرَ بعيدٍ، فوقعَ في قلبي أنَّني فرِحْتُ لنفسي، ولم أُواسِ الناسَ فيما هم فيه، فأنا أستغفِرُ اللهَ من ذلك الحمدِ منذُ ثلاثينَ سنة».

📚 يُنظر : تاريخِ بغدادَ: الخطيبُ البغداديُّ (9/188)، سيرِ أعلامِ النبلاءِ : الذهبيُّ (12/186)، في البدايةِ والنهايةِ: ابن كثير (11/18)،

وقفةٌ مع القصة

● أيُّ قلبٍ وأيُّ ورعٍ هذا الذي يبلغ بصاحبه أن يُحاسِبَ نفسَه على خاطرةِ فرحٍ عابرة؟

لم يكن الحمدُ معصيةً ـ حاشا لله ـ ولكنَّ السَّرِيَّ رحمهُ اللهُ رأى أنَّ كمالَ الإيمان لا يكتمل إلا إذا امتزجَ الفرحُ بالرحمةِ بالمصابين، وأنَّ القلبَ المؤمنَ لا ينفردُ بالسرورِ إذا كان إخوانُهُ في كربٍ وبلاء.

لقد رأى في تلك اللحظة العابرة قصوراً في كمال المحبة والمواساة، فقدَّم حظَّ نفسِه على مواساةِ الناس، فظلَّ يستغفرُ اللهَ من ذلك الموقف ثلاثينَ عامًا؛ لأنَّ المؤمنَ الصادق لا ينظرُ إلى صورةِ العمل، بل إلى حال القلب عند العمل.

فجعلها دَيْناً عليه استغفر الله منه عقوداً من الزمن

 

● دقَّةُ المحاسبة عند السلف .

– كان السلفُ الصالح يُحاسبون القلوبَ قبل الجوارح، ويزنون النيَّات قبل الأقوال والأفعال.

وهذا هو المعنى العميق لقول النبيِّ ﷺ:

«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

📚 أخرجه النسائي (5017) واللفظ له، وأخرجه البخاري (13)، ومسلم (45) مختصراً بلفظ مقارب، من حديث أنس بن مالك.

 

● من القصة إلى باب الاستغفار .

– ومن هذه القصة العظيمة، ندخل الى باب من أبواب العبودية، باب لا يستغني عنه عبدٌ مهما بلغ في الصلاح، ألا وهو باب الاستغفار.

فالاستغفار ـ عبادَ الله ـ

ليس مقصورًا على أصحاب الذنوب الظاهرة،

ولا دليلَ ضعفٍ في الإيمان، بل هو علامةُ حياةِ القلب، ودليلُ صدقِ العبد مع ربِّه.

إذا كان السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ يستغفرُ من كلمةِ حمدٍ،

فكيف بنا ونحن نقع في الغفلة، والتقصير، وقسوة القلب، وسوء الأدب مع الله ومع الخلق؟

 

● مدخل إلى معنى الاستغفار .

– من هنا نعلم أن الاستغفار ليس مجرَّدَ لفظٍ يُقال، ولا عادةٍ تُردَّد باللسان، بل هو رجوعٌ صادقٌ إلى الله، واعترافٌ بالتقصير، وطلبُ سترٍ وعفوٍ ورحمة.

وهذا ما يدعونا إلى الوقوف مع معنى الاستغفار.

فالاستغفار : حياةُ القلوب، ونورُ الأرواح ، ودواءُ الذنوب، وطريقٌ الفلاح في الدنيا والآخرة.

إن هذه القصة العظيمة ليست مجرد حكاية، بل هي مفتاح ندخل منه إلى باب من أهم أبواب العبادة على الإطلاق، وهو باب الاستغفار .

وإذا كان هذا هو حال من يحاسب نفسه على “كمال الحمد”، فكيف يجب أن يكون حالنا ونحن نغرق في بحور الغفلة والتقصير، ووقوع القلب في الذنوب الظاهرة والخفية؟

إن الاستغفار ليس فقط عبادة المذنبين لغسل أدرانهم، بل هو سُنَّة الأنبياء والصالحين، ومفزع المهمومين، وطريق الغنى والفرج، وحصن المجتمعات من البلاء.

وفي هذا الموضوع، سنغوص في معنى هذه العبادة العظيمة، مستكشفين: ماهية الاستغفار وحقيقته بين اللفظ والقلب.

وشروط قبوله التي تجعله توبة نصوحاً لا مجرد لقلقة لسان.

والكنوز والفضائل التي وعدنا الله بها، من الرزق والفرج ونزول الغيث.

فهلَّا أقبلنا على هذا الباب، واتخذنا الاستغفار منهج حياة، لا مجرد كلمة تقال بعد زلة؟!

 

⚫ تعريف الاستغفار

● الاستغفار لغةً:

مأخوذ من مادة (غَفَرَ)، والغَفْرُ: السَّتر والتغطية.

• واستغفر: أي طلب المغفرة، والوقاية من شر الذنب وعقوبته.

 

● الاستغفار شرعًا:

هو طلب العفو من الله عز وجل عن الذنوب والخطايا، مع الندم على ما فات والعزم على عدم العودة إليها.

 

⚫ الأمر بالاستغفار .

– أمر الله نبيه والمؤمنين بالاستغفار، ووعدهم بالمغفرة، فقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106]،

وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]، وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20].

قال تعالى: ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: 3]

وقال جل وعلا:

﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: 135]

وفي الحديث الصحيح:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” (رواه مسلم).

 

– وقال النبي ﷺ :

«من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب»

📚 رواه أبو داود (رقم: 1518) وصححه الألباني.

 

⚫ حكم الاستغفار:

الاستغفار عبادة مستحبة، وقد يصل إلى درجة الوجوب في بعض الأحيان.

• وجوب الاستغفار من الذنب: إذا ارتكب المسلم ذنبًا، وجب عليه الاستغفار والتوبة منه فورًا.

• استحباب الاستغفار بشكل عام: الاستغفار في كل الأوقات، حتى وإن لم يرتكب المسلم ذنبًا، هو من أفضل القربات.

 

● الاستغفار لك ولغيرك .

والاستغفار يكون للنفس وللغير، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ} [غافر: 7]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10]، وقال تعالى عن نوح عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ} [إبراهيم: 41].

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِن اللهَ عز وجل لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الجَنَّةِ، فَيَقُوْلُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُوْلُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ»

 

● الاستغفار للمشرك.

لا يجوز الاستغفار للمشرك، ولو كان حبيبًا، أو قريبًا، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113 – 114].

كما بين سبحانه أن الاستغفار لهم لا ينفعهم، ولا يقبله الله من صاحبه، قال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 80].

 

⚫ شروط الاستغفار .

الاستغفار لا يكون مجرد لقلقة لسان، بل لا بد له من شروط حتى يكون مقبولًا عند الله تعالى.

• الندم على الذنب: الشعور بالأسف والندم على ما صدر من العبد.

• الإقلاع عن المعصية: ترك الذنب فورًا وعدم الاستمرار فيه.

قال الفضيل بن عياض: استغفار بلا إقلاع، توبة الكذابين. ويقاربه ما جاء عن رابعة العدوية: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير.

• العزم على عدم العودة: اتخاذ قرار جازم بعدم العودة إلى الذنب مرة أخرى.

• رد الحقوق إلى أهلها (إن وجد): إذا كان الذنب يتعلق بحقوق العباد، فلا بد من ردها قبل طلب المغفرة من الله.

فرد المظالم إلى أهلها يكون إذا كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد،

قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: 7)

 

⚫ موانع قبول الاستغفار .

● الاستغفار مع الإصرار على الذنب

• قال بعض السلف: “استغفارنا يحتاج إلى استغفار”.

● الاستغفار رياءً أو عادة

• لا يقبل الله استغفار القلب الغافل.

 

● عدم رد الحقوق

• لا يُقبل الاستغفار في حقوق الناس دون ردّ المظالم.

 

● الفرق بين الاستغفار والتوبة:

الاستغفار طلب المغفرة، أما التوبة فهي الرجوع إلى الله والندم على ما فات والعزم على عدم العودة. الاستغفار جزء من التوبة، فكل تائب مستغفر، وليس كل مستغفر تائبًا. فمن يستغفر بلسانه وقلبه غافل، لم يتب توبة نصوحًا. أما من يستغفر نادمًا مقلعًا عازمًا، فقد استغفر وتاب. يقول الإمام ابن القيم: “التوبة من المعاصي والاستغفار منها هو جماع الإيمان”.

 

⚫ كيفية المداومة على الاستغفار

● تخصيص أوقات معينة

من المستحسن أن يخصص المسلم وقتًا في يومه للاستغفار، مثل وقت السحر أو بعد الفروض.

 

● ذكر الاستغفار في الأذكار

يمكن إدراج الاستغفار كجزء من الأذكار اليومية، مثل قول: “أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه”.

 

⚫ أنواع الاستغفار .

– إن الاستغفار هو من أعظم النعم التي منحها الله لعباده وهو عدة أنواع .

● الاستغفار باللسان .

• وهو التلفظ بصيغة الاستغفار مثل: “أستغفر الله”، “اللهم اغفر لي”.

 

● الاستغفار بالقلب

وهو الاعتراف بالذنب

والندم الحقيقي ،والتوبة النصوح ، والرجوع إلى الله بصدق، دون مجرد كلمات.

●الاستغفار بالأعمال .

وهو القيام بأعمال صالحة تعوض عن الذنوب

 

● الاستغفار الكامل

• وهو اجتماع الاستغفار باللسان، وصدق التوبة بالقلب، والعمل الصالح بالجوارح.

 

⚫ الأخطاء الشائعة في الاستغفار

● الاعتماد على الاستغفار دون العمل الصالح

يعتقد البعض أنه يكفي الاستغفار فقط دون القيام بالأعمال الصالحة. يجب أن يترافق الاستغفار مع الأعمال التي تُزكي النفس.

 

● الاستغفار دون نية صادقة.

لا بد أن يكون الاستغفار مصحوبًا برغبة حقيقية في التوبة والعودة إلى الله.

 

⚫ فضائل الاستغفار وآثاره في حياة المسلم.

– الاستغفار ليس مجرد عبادة، بل هو سبب مباشر لجلب الخيرات ودفع النقم. لقد ذكر القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير من فضائله التي تشمل جوانب الحياة كافة.

 

● الاستغفار أصل من أصول التوحيد .

-الاستغفار يعكس كمال التوحيد، فطلب المغفرة لا يكون إلا من الله وحده، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض.

وهو اعتراف بقدرة الله على المغفرة، وضعف الإنسان وحاجته المطلقة إلى خالقه.

فالاستغفار عبادة لا يجوز صرفها لغير الله.

 

● الاستغفار سبب لدفع البلاء .

قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] قال علي – رضي الله عنه -: «مَا نَزَلَ بَلاءٌ إِلاَّ بِذَنبٍ، وَلاَ رُفِعَ إِلاَّ بِتَوبَةٍ».

وقال أبو موسى: «كَانَ لَنَا أَمَانَانِ، ذَهَبَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ كَونُ الرَّسُولِ – صلى الله عليه وسلم – فِينَا، وَبَقِيَ الاِستِغفَارُ مَعَنَا، فَإِنْ ذَهَبَ هَلَكْنَا» التوبة إلى الله، للغزالي (ص124).

 

● الاستغفار سببٌ لنزول الغيث وجلب الرزق والمال.

– من أعظم فضائل الاستغفار أنه سبب لزيادة الرزق وتوسيع الأرزاق.

يقول تعالى في سورة نوح على لسان نبي الله نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.

هذه الآيات الكريمة تربط الاستغفار مباشرةً بنزول المطر، وزيادة المال، وكثرة البنين، والتمتع بالجنات والأنهار، مما يدل على أنه مفتاح لكل خير دنيوي.

 

● الاستغفار سببٌ في تحصيل المال والولد .

– قال تعالى ﴿وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 12]

 

●الاستغفار سبب لنزول الرحمة .

قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46].

 

● الاستغفار طريق للفلاح

قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 199]

 

● الاستغفار ممحاة للخطايا وتكفير الذنوب.

– الاستغفار هو الوسيلة الأساسية لمحو الذنوب وتكفير السيئات.

يقول الله تعالى في سورة آل عمران: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}.

هذا النداء الإلهي يفتح باب الأمل لكل مذنب، ويؤكد أن الله تعالى هو وحده من يغفر الذنوب، وأن الاستغفار هو السبيل إلى هذه المغفرة.

كما ورد في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه: “يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ”.

وقال النبي ﷺ: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غُفر له وإن كان فرَّ من الزحف» 📚 رواه الترمذي (رقم: 3577) وصححه الألباني.

 

● الاستغفار يزيل الهموم والأحزان، ويجلب الطمأنينة والسكينة للقلب.

– عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فرَجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مَخرَجًا، ورزقَه من حيثُ لا يحتسبُ”.

📚 رواه أبو داود (1518) وابن ماجه (3819) ، وأحمد في “المسند” (1/248) ، والطبراني في “المعجم الأوسط” (6/240)، والبيهقي في “السنن الكبرى” (3/351) ، وغيرهم وهو ضعيف ؛ لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول .

فهذا الحديث ضعيف ، ولكن معناه صحيح .

 

● الاستغفار يدفع البلاء ويرفع الضيق.

عن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رضي الله عنه قال: «ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة»

📚 أخرجه الدينوري في (المجالسة رقم ٧٢٧) ، وابن عساكر في (تاريخ دمشق – مجلد ترجمة العباس – رضي الله عنه – ١٨٤ – ١٨٥) ، بأسانيد واهية شديدة الضعف، أنه كان من ضمن دعاء العباس في استسقائه: “اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة”.

إلا أن هذه الحكمة حق لا مرية فيها.

 

● الاستغفار يرفع الدرجات في الجنة:

– الاستغفار ليس فقط لمحو الذنوب، بل هو سبب لرفع الدرجات وزيادة الحسنات.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ”.

📚 أخرجه ابن ماجه بعد حديث (3660)، وأحمد (10610) باختلاف يسير.

 

● الاستغفار كفارة للمجلس.

روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ»

📚 رواه الترمذي رقم (3433)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 153) برقم (2730).

 

⚫ الاستغفار عبادة الأنبياء والصالحين.

•الاستغفار ليس حكرًا على المذنبين فقط، بل هو من شيم الأنبياء والصالحين، فقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، كما رُوي في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: “إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً”.

📚 صحيح مسلم رقم ( 2702)

الاستغفار ليس بدعة ابتدعها الناس، بل هو من هدي الأنبياء والمرسلين الذين كانوا قدوةً للبشرية.

 

⚫ نماذج من استغفار الأنبياء .

• استغفار آدم وحواء عليهما السلام: بعد أن أكلا من الشجرة، كان أول عمل قاما به هو الاستغفار. يقول تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

 

● استغفار نوح عليه السلام

﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ﴾ [نوح: 28]

 

● استغفار إبراهيم عليه السلام

قال تعالى : ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [إبراهيم: 41]

 

● استغفار يونس عليه السلام حينما قال: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” (الأنبياء: 87).

 

● استغفار نبينا محمد ﷺ

– رغم أنه معصوم من الذنوب، كان يكثر من الاستغفار ليضرب لنا المثل وليعلمنا أن الاستغفار عبادة لا غنى عنها.روى مسلم في صحيحه من حديث الأغر المزني – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ»

📚 رواه مسلم رقم (2702).

وروى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمر قال: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي المَجلِسِ الوَاحِدِ مِئَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ» رواه أبو داود رقم (1516) وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) برقم (1342).

قال ابن تيمية رحمه الله: «والعبد دائمًا بين نعمة من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنب يحتاج فيه إلى استغفار، وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا، فإنه لا يزال يتقلب في نعم الله وآلائه ولا يزال محتاجًا إلى التوبة، والاستغفار، ولهذا كان سيد ولد آدم، وإمام المتقين محمد – صلى الله عليه وسلم – يستغفر الله في جميع الأحوال»

📚التحفة العراقية (1/ 79).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة” رواه البخاري (6307)

 

⚫ فوائد الاستغفار على الفرد والمجتمع .

● فوائد فردية

• طمأنينة القلب

• صفاء النفس

• حسن الخاتمة

• رفع الدرجات

• استجلاب الرزق والذرية

• النجاة من العذاب

 

● فوائد اجتماعية

• صلاح المجتمعات

• نزول البركة

• انتشار المحبة

• دفع العقوبات العامة

• كثرة الخير في الأرض.

 

⚫ صيغ الاستغفار

الاستغفار ليس له صيغة واحدة، بل له عدة صيغ جاءت بها السنة النبوية، وأفضلها “سيد الاستغفار”.

● سيد الاستغفار:

هو أفضل صيغ الاستغفار وأكملها، لأنه يجمع بين التوحيد والاعتراف بالذنب وطلب المغفرة.

روى البخاري في صحيحه من حديث شداد بن أوس قال: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَليَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، قَالَ: مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ، وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»

📚 رواه البخاري في صحيحه برقم (6306).

 

● صيغ أخرى للاستغفار:

• “أستغفر الله”: وهي أبسط الصيغ وأشهرها.

روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا، وَقَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ»، قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الاِسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ

📚 رواه مسلم رقم (591).

 

• “أستغفر الله وأتوب إليه”: وهي صيغة شاملة تجمع بين طلب المغفرة والندم. روى أبو داود من حديث زيد – رضي الله عنه – مولى النبي – صلى الله عليه وسلم -، أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ»

📚 رواه أبوداود رقم (1517) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) برقم (1343).

 

• “رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم”: وهي صيغة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

● أوقات الاستغفار:

الاستغفار مطلوب في كل وقت، ولكنه يتأكد في أوقات معينة يكون فيها أقرب إلى الإجابة.

 

• وقت السحر:

وهو الوقت الذي يسبق الفجر، وقد وصف الله تعالى المستغفرين في هذا الوقت بقوله: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]،

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ} [آل عمران: 135 – 136].

 

• بعد الصلوات المكتوبة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر ثلاثًا بعد أن يسلم من الصلاة.

 

• الاستغفار في الحج، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199].

 

• بعد الذنب مباشرة: فالمبادرة إلى الاستغفار بعد الوقوع في المعصية من شيم التائبين.

 

● في جميع الأوقات

عَن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالَت : طوبى لِمن وجدَ في صَحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا ”

📚أخرجه أبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (10/ 395)، وابن بشران في ((الأمالي)) (1401) واللفظ لهما.

قال الإمام الحسن البصري:

“أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة”.

 

● أيها الأحبة الكرام :

لقد فُتحت لك أبواب الأمل، ومُدَّ لك في عمر التوبة، وجُعل الاستغفار لك بابًا لا يُغلق،

فهلّا أقبلت على هذا الباب العظيم؟

وهلّا كنت من الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ؟

وهلّا عاهدت ربك أن لا تغفل عن هذا الكنز الإيماني العظيم؟

اجعل الاستغفار زادك، وسلاحك، وأنيسك، وصديقك، فبه يُغفر الذنب، ويُفتح الرزق، ويُشرح الصدر، وتُنال الدرجات.

إن الاستغفار باب الأمل المفتوح لكل مذنب، وهو طريق النجاة لكل خائف. وهو حصن

المسلم من الشيطان، ومفتاح رزقه، ومفزع همومه، فمن أراد أن تطهر صحيفته، وأن تسكن نفسه، وأن يوسع رزقه، فليكثر من الاستغفار، بقلب خاشع ولسان ذاكر، وليتخذ من الاستغفار منهج حياة، لا مجرد كلمة تُقال.

فهل من مستغفر في هذا الزمان يحيي هذه العبادة العظيمة؟


اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

تعليق 1
  1. Plots Asokoro يقول

    Is the environment residential or mixed-use?

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار