
التحرش بالأطفال أزمة مجتمع ومسؤولية قانون
ايمان العادلى
يُعدّ التحرش بالأطفال جريمة نكراء وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ولبراءة الطفولة، وهي قضية لا تمسّ الضحية فحسب، بل تمزّق نسيج المجتمع بأكمله. تتطلب معالجة هذه الظاهرة فهمًا عميقًا لجذورها المتشابكة، سواء كانت نفسية. واجتماعية أو ثقافية للمتحرش، إلى جانب الوعي بالآثار المدمرة التي تتركها على الضحايا، وضرورة مراجعة الأطر القانونية لضمان حماية أفضل ومساءلة فعالة.
أسباب التحرش بالطفل (من منظور المتحرش)
تتنوع الدوافع التي تقف وراء سلوك التحرش لدى المتحرش وتتداخل
الأسباب النفسية
اضطرابات الشخصية
قد يعاني المتحرش من اضطرابات مثل الاجترار القهري للأفكار الجنسية العدوانية أو اضطراب البيدوفيليا (الاستفراق الجنسي للأطفال) وهو اضطراب نفسي يتسم بوجود اهتمام جنسي مستمر ومركّز بالأطفال.
تاريخ الإيذاء
غالبًا ما يكون المتحرش نفسه قد تعرض للإيذاء أو الإهمال في طفولته، ما يؤدي إلى دورة من العنف تنتقل من جيل إلى آخر.
نقص التعاطف
يفتقر المتحرش إلى القدرة على التعاطف مع ضحيته، ما يسهل عليه ارتكاب الفعل دون الشعور بالذنب أو إدراك حجم الضرر.
السعي للسيطرة والقوة
استخدام التحرش كوسيلة للشعور بالقوة والسيطرة على كائن ضعيف (الطفل) لتعويض شعور داخلي بالعجز أو النقص.
الأسباب الاجتماعية والثقافية
التفكك الأسري وغياب الرقابة
ضعف الروابط الأسرية أو غياب دور الرقابة الأبوية يخلق بيئة تسهل على المتحرش استغلال الأطفال.
الوصم الاجتماعي والخوف من الإبلاغ
في العديد من المجتمعات، يخشى الأهل والضحية الإبلاغ عن الجريمة بسبب الخوف من الوصم الاجتماعي أو التشكيك في مصداقية الطفل، ما يمنح المتحرش حصانة فعلية.
الثقافة الذكورية المسيطرة
بعض التفسيرات المغلوطة للرجولة والسلطة تساهم في تغليب رغبات المتحرش وإعطائه شعورًا ضمنيًا بالإفلات من العقاب، خاصة في الثقافات التي تبرر العنف الجنسي أو تتجاهله.
سهولة الوصول للمواد الإباحية
التعرض المفرط والمبكر للمواد الإباحية التي تستغل الأطفال قد يشوه الفهم الجنسي ويزيل الحواجز الأخلاقية لدى بعض الأفراد.
النتائج السلبية المدمرة على الأطفال الضحايا
التحرش يترك ندوبًا عميقة وطويلة الأمد في نفس الطفل، ويمكن تلخيصها في الآثار التالية
الاضطرابات النفسية
يعاني الأطفال غالبًا من اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD )والاكتئاب، والقلق الحاد، والهلع الليلي
مشاكل في التطور والسلوك
قد يؤدي التحرش إلىالتأخر الدراسي ومشاكل في بناء العلاقات الاجتماعية السويةوالسلوكيات العدوانية الأنعزالية
اضطراب صورة الذات
يشعر الطفل بالعار والذنب وفقدان الثقة بالنفس، وقد يطورون صورة سلبية ومشوّهة عن أجسادهم وعن مفهوم العلاقة الإنسانية الآمنة.
السلوكيات المدمرة للذات
قد يلجأ بعض الضحايا في مراحل متقدمة إلى إيذاء الذات أو تعاطي المخدرات او محاولات الانتحار كهروب من ألم الصدمة.
المقترح القانوني: تعديل سن المسؤولية الجنائية
تثير قضية التحرش من قبل بعض الأحداث أو الأطفال على أقرانهم مسألة سن المسؤولية القانونية. أن الأطفال يستخرجون البطاقة القومية في سن 15 عامًا، ما يجعلهم بحاجة إلى تحمل مسؤولية أكبر عن أفعالهم.
هناك حاجة ملحة لمراجعة سن المساءلة الجنائية الحالي (والذي غالبًا ما يكون 18 سنة لتطبيق العقوبات الكاملة) وذلك للنظر في تخفيضه إلى سن 14 أو 15 عامًاأو على الأقل إيجاد نظام عقابي وإصلاحي أكثر صرامة ينطبق على الأحداث مرتكبي الجرائم الجنسية الخطيرة.
الهدف من التعديل: ليس فقط المحاسبة، بل إرسال رسالة رادعة وواضحة مفادها أن المجتمع لن يتسامح مع أي شكل من أشكال التحرش، حتى لو كان مرتكبها حدثًا. يجب أن يتم ذلك ضمن إطار يضمن محاكمة عادلة وعقوبات إصلاحية تتناسب مع طبيعة الجريمة وعمر مرتكبها.
حلول لمواجهة مشكلة التحرش بالأطفال
مواجهة هذه المشكلة تتطلب استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد
1. التثقيف والتوعية الوقائية
برامج التوعية
الشاملة تدريس الأطفال مفهوم “اللمسة الآمنة وغير الآمنة” وقاعدة “جسدي ملكي”منذ سن مبكرة.
تثقيف الأهل والمربين: تدريبهم على كيفية الاستماع للطفل، وقراءة علامات الخطر، وكيفية التعامل مع حالة التحرش دون ترهيب أو وصم.
2. المراجعة التشريعية وتطبيق القانون
تشديد العقوبات تطبيق أقصى العقوبات على جرائم التحرش والاغتصاب التي تستهدف الأطفال.
تعديل سن المساءلة
كما ذكرنا، مراجعة سن المساءلة الجنائية لمرتكبي الجرائم الخطيرة.
حماية الشهود والضحايا: توفير الحماية القانونية والنفسية للطفل وأسرته خلال مراحل التحقيق والمحاكمة لضمان استمرار الإجراءات.
3 الدعم النفسي والاجتماعي
مراكز التأهيل للضحايا: إنشاء ودعم المراكز
المتخصصة التي تقدم العلاج النفسي طويل الأمد للناجين من التحرش لمساعدتهم على التعافي.
برامج إعادة تأهيل للمتحرشين: يجب أن تتضمن العقوبات برامج علاجية وإصلاحية إلزامية للمتحرشين للحد من معدلات العودة للجريم.
4. دور الإعلام والإنترنت
تنظيم المحتوى الرقمي: فرض رقابة صارمة على المحتوى الرقمي المتداول ومحاسبة مروجي المواد التي تستغل الأطفال.
تعزيز ثقافة الإبلاغ: استخدام وسائل الإعلام لتشجيع الإبلاغ عن الجرائم والتأكيد على سرية الإجراءات وأهميتها.
وأخيراً إن حماية الأطفال هي المؤشر الحقيقي على صحة أي مجتمع وقوته الأخلاقية. يجب على جميع الأفراد والمؤسسات، من الأسرة إلى المشرّع، العمل يدًا بيد لضمان بيئة آمنة يزدهر فيها الأمل وتتوارى فيها ظلال الجريمة.
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
موضوع رائع جدا تسلم ايدك