
مفاوضات بيع وطن… أم شراء وقت؟
بقلم/ ياسر الفرح
في لحظة إقليمية مكتظة بالتسارع والفوضى، وجد الشرع نفسه أمام مشهد لا يشبه توقّعاته ولا يتماشى مع الخطط التي أُعدّت بعناية مسبقة. فالعملية التي رُسمت حدودها في مناطق محددة لم تكن تمتدّ إلى تخوم دمشق، غير أن الانهيارات المتتابعة وضعت الرجل أمام ملفات معقدة تشبه
حقلاً من الألغام لا يملك خارطة لتفكيكه.
هذا الارتباك السياسي دفع تل أبيب لتحريك بيادقها بسرعة: الهجري هنا… وقوات قسد هناك… ثم التقدم نحو جبل الشيخ وقصف العاصمة دمشق. كل ذلك كان أشبه بسباقٍ لقطع أنفاس الشرع ومنعه من تنظيم البيت السوري أو حتى استيعاب مفاجآت الميدان، وصولاً إلى محاولة فرض شروط مذلّة عليه تحت ضغط صهيوني–غربي متواصل.
ومع اشتداد الطوق، أعلن الشرع موافقته على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل—خطوة فُسّرت كاستسلام، واعتبرها خصومه «خيانة صريحة»، بينما نظر إليها العالم الإسلامي بعين الشك والغضب. لكن ما لم يلحظه كثيرون هو أن إسرائيل شعرت بنشوة مبكرة… غرور كلاسيكي أعمى بصيرتها ولو لبعض الوقت.
فخلال تلك المفاوضات التي وصفتها تل أبيب لاحقاً بأنها «تسير إلى طريق مسدود»، كان الشرع ينفّذ سباقاً دبلوماسياً مع الزمن: روسيا، الصين، وحتى إيران. أراد الدخول إلى البيت الأبيض وهو يحمل في جعبته أوراق ضغط، وإذا رفضت واشنطن فهناك بكين التي أعلنت بوضوح أن «الجولان أرض سورية». ولتهدئة الغضب الأميركي، أبقى هامشاً واسعاً لتفاهمات تحفظ مصالح واشنطن الاقتصادية والعسكرية في سوريا، مع إعادة تموضع أميركي يضرب مصالح نتنياهو. كما أعاد تعريف دور بلاده في
مكافحة داعش بطريقة تحدّ من دور قسد.
ولكي يقلّص قدرة إسرائيل على إشعال الداخل السوري عبر بعض الأقليات، خفّف الشرع قبضته على الحدود مع حزب الله، لتسهيل مرور السلاح وتقوية جبهة الضغط، مستفيداً من زيارة قيادات سورية للبنان ولقاءاتها غير المعلنة مع قيادات إيرانية. هذا التحرك خلق وزناً جديداً على كتف إسرائيل وأجبرها على التفكير بحلول «معقولة» تخفف منسوب المخاطر.
وفي حين كان الهجري يغنّي مظلوميته علناً، ويفاخر بدعم تل أبيب، ويتوعّد بدعم اسرائيل بممرّ داوود من حيفا إلى الفاو… جاءت الصفعة. من الشرع، عبر دورية روسية–تركية مشتركة ظهرت في القنيطرة، كإعلان غير مباشر أن الرجل لم يكن يتفاوض ليستسلم، بل لكسب الوقت. وأنه تعامل بواقعية وأجّل خلافاته مع أعدائه وموسكو تحديداً، ليُدخلها إلى خط الدفاع الجنوبي… وهي خطوة كافية لإبطال التفوق الجوي الصهيوني.
اليوم، تتبدّل الخرائط. وما اعتُبر مقدمة لخسارة سورية جديدة قد يتحول إلى توسع على حساب لبنان، إلا إذا كان الطرف المقابل يعدّ مفاجآته الخاصة. فما هو واضح أن الأيام المقبلة ستحمل تغييرات كبيرة، وربما صدامات أكبر، وأن ما يجري ليس «مفاوضات خيانة وبيع وطن»، بل «شراء الوقت لإعادة ترتيب البيت السوري وصياغة توازنات إقليمية كاملة».
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.