
من هى الصول فايزة، ابنة الشهيد حنيدق
في قلب الإسماعيلية، وبين رائحة البطولات التي لا تزال تسكن ترابها، تبرز قصة فايقة حنيدق كواحدة من صفحات المجد التي كتبتها نساء مصر بأيديهن وقت الحرب، تلك السيدة التي كبرت على حلم أبيها الشهيد، وورثت عنه عشق الوطن حتى صارت “مسعفة الجبهة” و”بطلة الظل” في حرب أكتوبر المجيدة.
تقول فايقة والملقبة بالصول فايزة، ابنة الشهيد حنيدق علي الذي استُشهد إثر انفجار لغم في سيناء عام 1960، إنها نشأت على حب التضحية والعطاء، وكانت طفلة حين عايشت نكسة 1967، في الصف الإعدادي، قبل أن تهاجر مع أسرتها إلى الزقازيق هربًا من أهوال الحرب، هناك، أكملت دراستها، ثم التحقت بمدرسة التمريض التابعة لوزارة الصحة، وقضت سنتها الأولى في القصاصين قبل أن تتخرج من مدرسة السيد جلال في باب الشعرية، وتحقق حلمها بالعودة إلى مسقط رأسها الإسماعيلية.في مطلع عام 1973، استجابت فايقة لنداء الواجب حين طلبت القوات المسلحة ممرضات للعمل بالمستشفى العسكري، فالتحقت بمستشفى التل الكبير العسكري، كانت تقضي نهارها بين أروقة المستشفى تعالج الجرحى، ولياليها على متن القطار الحربي المخصص لنقل المصابين من الجبهة إلى المستشفيات، قطار لم يكن عاديًا؛ بل كان أشبه بمستشفى متنقل، يحمل على متنه وجع الحرب وصبر الأبطال، وأسِرّة متجاورة تحمل جرحى النصر.تتذكر فايقة في إحدى الليالي العصيبة حين صدر أمر بإخلاء المستشفى العسكري بعد قصف مطار أبو حماد القريب منهم. تقول: “كانت السماء تشتعل من حولنا، وصوت الانفجارات لا يتوقف، وسيارات الإسعاف تتوالى لنقل المصابين. كنت المسؤولة الوحيدة وقتها، حكيمة العمليات، أتنقل بين الجرحى أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما الطائرات تواصل قصفها.”وعن أصعب المواقف التي مرت بها، تحكي فايقة والدمعة تسبق الكلمات: “لن أنسى أبدًا وجه ذلك الشاب الذي كان يمازحنا دائمًا وهو يقول: كلها أسبوع وأخد الإجازة واتجوز. رأيته بعدها بين المصابين وقد فقد قدمه وإحدى عينيه.. لحظة ما زالت محفورة في ذاكرتي إلى اليوم.”ومع بدء حرب أكتوبر، تلقت فايقة ورفيقاتها أوامر بنقل المستشفى إلى مكان أكثر أمانًا، ومع انطلاق ساعة الصفر، بدأت مرحلة جديدة من الجهد والسهر، لا يعرفن فيها ليلًا من نهار، “كنا نعمل بلا توقف، لا نشعر بالوقت، ولا نفكر إلا في تضميد جراح أبطالنا، كانت مهمتنا حياة أو موت.”سنوات مرت، وبقيت بطولات “فايقة حنيدق” شاهدًا على عظمة المرأة المصرية وقت الحرب، فقد كرمها الرئيس الراحل أنور السادات بعد 12 عامًا من العطاء المتواصل بالقوات المسلحة، تقديرًا لدورها في الجبهة. تقول بفخر: “فترة عملي كحكيمة عمليات في المستشفى الميداني هي أعظم فترات حياتي، سأظل أفتخر بها وأورث هذا الفخر لأبنائي وأحفادي..
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.