العاصمة

إن لم يكن الآن فمتى؟ الغزيون يضغطون على حماس لقبول الاتفاق

0
علاء حمدي
لم تعد أصوات الرصاص والانفجارات هي الأعلى في شوارع غزة، بل ارتفعت أصوات أخرى، هادئة في ظاهرها، عميقة في جوهرها: “كفى حروباً… نريد أن نعيش”. بعد سنوات من الحصار والأزمات، باتت الحياة اليومية لسكان القطاع مرادفاً للفقر والحرمان: بطالة خانقة، مياه ملوثة، كهرباء مقطوعة، ومستشفيات عاجزة عن استيعاب المرضى. وفي خضم هذا الواقع المرير، يتساءل كثيرون: هل يشكل ما يُعرف بـ”اتفاق ترامب” فرصة أخيرة لإنقاذ غزة من الاختناق؟
بالنسبة لكثير من الغزيين، الجواب واضح. الاتفاق يتحدث عن إعادة إعمار، فتح اقتصادي، إدخال سلع بحرية أكبر، وضمان وصول المساعدات عبر رقابة دولية. هذه البنود بالنسبة للسكان ليست شعارات سياسية، بل حياة يومية ملموسة: ماء نظيف، كهرباء مستمرة، مدارس مفتوحة، ومستشفيات عاملة.
أب لثلاثة أبناء قال بلهجة يائسة: “أطفالي يريدون مستقبلاً، لا مزيداً من الحروب”. أما أم من حي الشجاعية فأكدت: “نحن ندفع الثمن. أولادنا مرضى، مدارسنا بالكاد تعمل، ولا نجد عملاً”. كلمات بسيطة تختصر مأساة مجتمع بأكمله.
لكن هذا الأمل يظل رهينة قرار سياسي. حركة حماس، التي تمسك بزمام السلطة في غزة، هي الطرف الذي يقرر: إما المضي نحو اتفاق يفتح الباب لمساعدات وتنمية، أو الاستمرار في النهج العسكري الذي لم يجلب سوى مزيد من الدمار.
كثيرون يحمّلون الحركة المسؤولية المباشرة، بسبب استخدام منشآت مدنية لأغراض عسكرية، وتوجيه موارد ضخمة نحو الأنفاق والصواريخ بدلاً من إصلاح شبكات المياه والكهرباء. المنظمات الدولية أيضاً اصطدمت مراراً بقيود تفرضها الحركة، ما أعاق عملها وأدى إلى تعطيل مشاريع إنسانية عاجلة.
المجتمع الدولي حذر بوضوح من أن رفض الاتفاق سيمنح إسرائيل مبرراً لتشديد إجراءاتها العسكرية. النتيجة المتوقعة: تفاقم نقص المياه، انهيار المنظومة الصحية، وزيادة أعداد النازحين داخل القطاع. وهكذا يصبح الرفض مساوياً لمضاعفة المعاناة الإنسانية، لا فقط إطالة أمد الأزمة.
حتى قبل الوصول إلى اتفاق شامل، يمكن اتخاذ خطوات جزئية تعطي للسكان جرعة أمل: فتح محدود للمعابر التجارية، إدخال مواد بناء ووقود بإشراف دولي، وتنفيذ مشاريع عاجلة لإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي. لكن هذه الإجراءات تحتاج إلى قرار سياسي شجاع، لا إلى مزيد من المماطلة.
يبقى السؤال الأخلاقي مطروحاً أمام حماس: هل تختار أن تبقى أسيرة للصراع العسكري، أم تضع حياة المواطنين في المقدمة؟ هذا ليس نقاشاً سياسياً فقط، بل مسألة إنسانية تتعلق بحقوق أساسية لشعب يعيش على حافة الانهيار.
كما أن المجتمع الدولي مطالب بفرض آليات شفافة ورقابة صارمة على المساعدات، لضمان وصولها إلى مستحقيها، خصوصاً أن تجارب سابقة أظهرت ضياع موارد ضخمة في مسارات أخرى بعيدة عن احتياجات المدنيين.
الأزمة في غزة ليست مجرد نقص في الخدمات، بل أيضاً أزمة أجيال. أطفال نشأوا في ظل الحصار والقصف يحتاجون إلى مدارس آمنة، علاج نفسي، وبيئة مستقرة. أي اتفاق يفتح باب التنمية سيكون بمثابة طوق نجاة لجيل كامل مهدد بفقدان الأمل.
لم يعد هناك وقت للمراوغة. سكان غزة يقولون بوضوح: “إذا لم تقبل حماس الاتفاق، فهي تفرض علينا موتاً بطيئاً”. اليوم الخيار ليس بين حرب وسلام فحسب، بل بين حياة وموت، بين مستقبل مفتوح وأفق مسدود. الكرة في ملعب حماس، والعالم يترقب: هل تختار الحركة أن تضع مصلحة شعبها أولاً؟

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار