“غزة بين معادلات الإقليم وصراع النفوذ الدولي”

‏‎

 

بقلم/ ياسر الفرح

ناشط حقوقي

 

شهد يوم ٢٣ سبتمر ٢٠٢٥ اجتماعاً لافتاً جمع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع عدد من قادة الدول الإسلامية البارزة: باكستان، تركيا، السعودية، إندونيسيا، قطر، مصر، الأردن، والإمارات. ورغم أن العنوان المعلن كان مناقشة الأزمة الإنسانية والأمنية في غزة، إلا أن خلفيات هذا اللقاء تكشف أبعاداً أعمق تتجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية، لتصل إلى جوهر الصراع على النفوذ في النظام الدولي.

 

‏‎واشنطن ومأزق الصين؛

‏‎تدرك الولايات المتحدة أن حرب غزة لم تعد شأناً إقليمياً محصوراً بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل تحولت إلى مدخل لتغيير التوازنات العالمية. فمع تصاعد المخاوف العربية من سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتضامن الا محدود من واشنطن معها وما سببه من تهديد للأمن الإقليمي، برزت الصين كلاعب بديل قادر على ملء الفراغ. من هنا تسعى واشنطن إلى تحريك أدواتها السياسية والدبلوماسية لمنع بكين من تثبيت موطئ قدم أعمق في المنطقة.

 

‏‎اهتزاز الثقة بالحماية الأميركية؛

‏‎لكن الواقع يكشف أن الاعتماد المطلق على المظلة الأميركية لم يعد خياراً مضموناً. فازدواجية واشنطن في إدارة الأزمات الإقليمية، ومماطلتها في تنفيذ التزاماتها، فضلاً عن تشتتها بصراعات متعددة كالحرب في غزة وأكرانيا وأزمات أوروبا، جعلت حلفاءها التقليديين يعيدون تقييم أولوياتهم الاستراتيجية، وكسر حاجز الخوف لديهم من الخروج من تحت العباءة الامريكية . بالبحث عن بدائل عسكرية وسياسية، من خلال تنويع مصادر التسلح والانفتاح على شركاء مثل روسيا والصين.

 

‏‎نحو تكتلات إسلامية جديدة؛

‏‎هذه المتغيرات أسست لمرحلة جديدة من التعاون بين العواصم العربية والإسلامية، تجاوزت خلافاتها التقليدية، وبدأت تخطو نحو مقاربة جماعية أكثر استقلالية. المفارقة أن تشدد نتنياهو وخطاب ترامب الاستعلائي، أصبح عاملاً مسرّعاً للتقارب الإقليمي، ودافعاً لإعادة التفكير في بناء منظومات دفاع مشترك تضع المصالح الجماعية فوق الحسابات الفردية.

 

‏‎غزة كبوصلة للتحولات الدولية؛

‏‎إن غزة، بما تحمله من رمزية ومأساة إنسانية، تحولت من مجرد ساحة صراع فلسطيني–إسرائيلي إلى بوصلة لإعادة رسم التحالفات الدولية. وإذا ما استمرت هذه الديناميات في التصاعد، فإن المنطقة قد تشهد ولادة منظومة أمنية عربية–إسلامية أكثر تماسكا، تُعيد تشكيل التوازنات الإقليمية، وتؤثر بعمق على بنية النظام الدولي.