العاصمة

قراءة نقدية لديوان من رحم الوجع

2

للشاعرة فاطمة الجلاوي.

 

بقلم الأديب الروائي

ناصر ابو حيمد “الفينق”

رئس مجموعة أجراس للإبداع

 

لقد كان لي شرف اللقاء بالأستاذة

الشاعرة فاطمة الجلاوي، التي أهدتني ديوانها الشعري الثاني من رحم الوجع.

 

لم أُضِع وقتًا، وعلى الرغم من صراعي الدائم مع الزمن، استغللت نسمة صباح الأحد الباردة في مدينتي المحببة إلى قلبي، تلك المدينة التي كتبت على مبانيها قصص عبق التاريخ، ومفردات وألحان الثقافة، لأبحر في حروف الديوان.

 

أخذتني من الوهلة الأولى رحلةُ معاناةٍ إنسانية من نوع خاص؛ ففي كل خاطرةٍ من خواطرها كانت تسطّر تجربة أقرب أن تكون إلى الخيال منها إلى الحقيقة. رحلة في أعماق الإنسانية، عبرت ــ بجسارة ــ جسور الزمان والمكان، وهي تصارع بعزم الفرسان من أجل الانتصار، بثبات القلب وروح الإصرار.

 

كان من ضمن معاركها لومٌ ومعاناة من قسوة العيش، ومرارة الإحساس بالغربة في الوطن والحب. وكان للعيون نصيب كبير في التعبير عمّا تحمله الشاعرة في جوفها من أحاسيس ومشاعر، بما يحدث في الداخل والخارج. كما كانت الأشجار والنباتات رموزًا لصراعات وجدانية تمثل الصراخ والفراغ والإصرار المستمر في قتالٍ لا يتوقف من أجل البقاء، وسحق الظروف على الرغم من قسوتها.

 

أما الليل والأحلام والصراخ والفراغ، فقد أخذت حيزًا كبيرًا من حديثها، فكانت امتدادًا لمقاومتها، حتى لا تذبل ولا تنطفئ شمعتها.

 

وطرحها لمفردة “الأسلاك الشائكة” يمثل انعكاسًا لإحساسها بالحصار والاعتقال الذاتي، الذي يعبر عن سجنٍ ربما كان صورًا من ذكريات مرت بها، أو تصويرًا لتجربة واقع تحاول الخروج منه.

 

التيه، الصمت، التراتيل، الصبر… كلمات تتجاور على أرضٍ حالمة، وملجأ في الخيال تحاول به الشاعرة التمسك بخيوط الأمل، وتستسقي من إكسير القوة التي تصارع بها الزمان والمكان وقسوة الظروف.

 

أما المناجاة والنداء، فقد كانا دليلًا آخر على بحثها عن سبل الخروج من ذلك الحصار، وأرض الخوف، وانكسارات القلب، وأوجاع الانكسار، وقلة الحيلة، وخيبات الأمل.

 

وأخيرًا، كان السفر والغربة هما الوسيلة الوحيدة للخلاص من معتقل الذات والتخلص من الذكريات. غير أن الحنين إلى حضن الوطن، وابتسامة الوجوه الدافئة، والقلوب البريئة، كان كالموجة الثائرة التي تعيدها إلى الشاطئ مرة أخرى، وتحول بينها وبين رحلة اللاعودة. فهي الفارسة التي لا تكل ولا تُهزم في أي معركة، فكيف إذا كانت الحرب حربًا لا تنتهي، على الرغم من جميع المحاولات لكسر عزيمتها والقضاء على روحها؟

 

في نهاية رحلتي وتحليقي في سماء هذا الديوان، أقف احترامًا وتقديرًا، وأؤدي التحية للشاعرة التي نجحت في تصوير ما تحمله من ثِقَل التجارب والصراعات والأوجاع. واجهتها بروح الصبر والثبات والمقاومة في أسوأ الظروف، وبإصرارٍ على الاستمرار والنجاح، واستبسالٍ في عزمٍ لا يُقهر.

 

إنه، وبكل اختصار، ديوانٌ يمثل ملحمةً لكل امرأة شهدت مخاضًا، وولدت من رحم الوجع.

 

الأستاذ الروائي ناصر

أبو حيمد “الفينق”

رئيس مجموعة أجراس الإبداع

 

الأستاذ الروائي

ناصر ابو حيمد

“الفينق”

رئس مجموعة أجراس للإبداع


اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

2 تعليقات
  1. Coraline1974 يقول
  2. Brisa Heidenreich يقول

    I do not even know how I ended up here but I thought this post was great I dont know who you are but definitely youre going to a famous blogger if you arent already Cheers

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار