
غزة… بالدماء والدموع تنقش قصة خذلانها على جبين أمة صامتة
بقلم/ ياسر الفرح
ناشط حقوقي
في زمنٍ انقلبت فيه الموازين، أصبح الصوت الأصدق ينبعث من حيث لا نتوقع. “سنغلق كامل أوروبا، ولن يخرج مسمار واحد إلى إسرائيل”… إنها صرخة ضمير جاءت من قلب “جنوة” الإيطالية، من قائد نقابة عمال الموانئ، دعما لاسطول الصمود المتجه لفك حصار غزة وتحذير بعدم التعرض لهم بسوء من قبل اسرائيل، انذار عبر عن العزيمة والشجاعة، في وقت تتخاذل فيه أقوى المنابر .
هؤلاء العمال، رجالاً ونساءً، لا يجمعهم بغزة دين أو لغة أو دم، ولكن يجمعهم إنسانيتهم التي رفضت أن تموت. تسندهم كتلة عالمية من النقابات والاتحادات التي رأت في غزة رمزاً للكرامة الإنسانية. لقد استطاعت غزة، بجبروت ألمها وصمودها النادر، أن تخترق الضمير العالمي، ووحدته في وجة آلة القتل والاستبداد.
وفي الجهة المقابلة، تقف أمة تمتد من المحيط إلى الخليج، تتجاوز المليارين، تتفرج خلف الشاشات. قلوبهم تعتصِرها الآهات، وعيونهم تذرف دمعاً عاجزاً، بينما أيديهم مقيدة بإرادة لا تملكها. إنها مفارقة تؤلم الروح؛ أن يتحرك الغرباء بينما نحن، أبناء القضية، نرتدي ثوب المتفرجين.
ولعلّ القصّة لا تكتمل إلّا بشهادة تأتي من جوف العدو نفسة. فها هي صحيفة “هآرتس” تعلن بوضوح: “حلم إسرائيل انتهى! الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم” إنها شهادة اعتراف بقوة لا تقهر، وإصرار يكتب النصر بدماء الأبطال.
غزة لم تعد تنتظر أحداً؛ فهي تنسج ملحمتها بيديها، وتصنع النصر بصدق إيمانها وعمق تضحياتها. نحن من يحتاج إليها، إلى دروسها في الكرامة، إلى بطولاتها التي توقظ فينا الذاكرة والوجدان. إنها المرآة التي تعري زيف إنسانيتنا، ووهن كرامتنا، وتفكك عروبتنا.
صرخة اطفال غزة تكفي…لتذكرنا أن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، وأن الأمم التي لا تصنع حرّيتها بيدها، مصيرها أن تعيش على هامش الحياة.
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.