العاصمة

الصراع الهندى – الباكستانى بين الدعم الصينى لمشروع (الممر الإقتصادى الصينى – الباكستانى)

0
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تصاعدت التوترات بين الهند وباكستان بشكل كبير، في أعقاب الهجوم الذي نفذه مسلحون فى مدينة “باهالغام” الواقعة فى الشطر الهندى من كشمير، وإتهمت الهند باكستان بالوقوف وراء الهجوم، فيما نفت باكستان أي علاقة لها. وقامت الهند بإطلاق ما أسمته “عملية السندور”، وهى عملية عسكرية متقدمة إستهدفت تسعة معاقل لتنظيمات تقول الهند أنها إرهابية تشمل (لشكر طيبة، جيش محمد، وحزب المجاهدين”. وبعدها أعلنت إسرائيل رسمياً تأييدها الكامل للهند بعد قيام الجيش الهندي بتنفيذ سلسلة ضربات وصفتها الهند بأنها ”هجمات جراحية دقيقة إستهدفت مواقع إرهابية فى باكستان ومناطق كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية”. ويأتى هذا التصعيد الحاد من قبل الهند بعد هجوم كبير إستهدف عدداً من السياح فى (منطقة باهالغام في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية) خلال شهر إبريل ٢٠٢٥، مما فاقم التوترات بين الجارتين النوويتين. وتؤكد الهند إنها تمتلك أدلة تربط بين منفذى الهجوم وجهات متطرفة مقرها باكستان، وهى إدعاءات تنفيها إسلام آباد، مؤكدة أن الهند لم تقدم أدلة داعمة. وردت باكستان بتعليق إتفاقية سلام مع الهند تعود إلى عام ١٩٧٢، وإتخذت بدورها خطوات تصعيدية مقابلة. وقام فريق من الأمم المتحدة بعمل بزيارة ميدانية إلى موقع الهجوم الهندي في منطقة “مظفر آباد” داخل الأراضي الباكستانية، ما يعكس حجم القلق الدولي المتزايد من تطور الوضع نحو مواجهة مفتوحة بين الهند وباكستان.
ومن وجهة نظرى التحليلية يأتى الدعم الإسرائيلى للهند، مع حرص الولايات المتحدة الأمريكية على توثيق علاقاتها مع الهند، إستناداً إلى المبدأ الأمريكى فى تعزيز (العلاقات مع الديمقراطيات الآسيوية) ومنها الهند، وتوسيع الشراكة فى مجال التكنولوجيا والدفاع معها. فضلاً عن دعم الهند للولايات المتحدة الأمريكية فى إطار تحالف “كواد الرباعية” مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، لمواجهة النفوذ الصيني فى المحيطين الهندي والهادئ عبر الهند، وتقديم الولايات المتحدة الأمريكية للهند كشريك موثوق به فى سلاسل الإمداد العالمية والتكنولوجيا المتقدمة.
ومن أجل ذلك، يأتى الدعم الصينى لباكستان من أجل إنجاح مشروعها للحزام والطريق، فى مواجهة (مشروع الممر الإقتصادى الهندى الشرق أوسطى)
IMEC
الذى سيمر عبر (ميناء بن جوريون الإسرائيلى)، وهو ما سيؤثر سلباً على الصين وقناة السويس المصرية وسيجعل تدفقات التجارة الآسيوية والعالمية تمر عبر الهند وتل أبيب، وهو ما تتصدى له الصين بقوة عبر شبكة علاقاتها الوثيقة مع الجانب الباكستانى. ونجد بأن هذا الممر الإقتصادى الهندى الشرق أوسطى، يضم (الهند والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والأردن وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية)، فى مواجهة مشروع مبادرة الحزام والطريق الصينية والممر الملاحى لقناة السويس المصرية.
وذلك فى مقابل الدعم الصينى لباكستان حليفتها الوثيق فى منطقة جنوب آسيا، بسبب التنافس بين مبادرتى الحزام والطريق الصينية عبر باكستان وميناء جوادر الباكستانى الإقتصادى، ومشروع “ممر النقل الإقليمى” الذى سيصل الهند بإسرائيل عبر (ميناء بن جوريون الإسرائيلى)، ومن ثم ربط إسرائيل بأوروبا والعالم من خلاله والذى سيجعل من إسرائيل بمثابة المتحكم فى كافة ممرات النقل وطرق الملاحة والنقل البحرى عالمياً ولوجستياً، وهو ذاته المشروع الذى تم الإعلان عنه فى (قمة مجموعة العشرين في نيودلهي) عام ٢٠٢٣. وهو ذاته المشروع الذى سيتعارض مع مصالح مصر فى قناة السويس المصرية ومصالح الصين ومشروعاتها عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية، والذى سيجعل من دولة إحتلال كإسرائيل تتحكم فى كافة طرق الملاحة والنقل البحرى واللوجستى عالمياً. وبسبب هذا المشروع الهندى الإسرائيلى المشترك تفانت إسرائيل فى تقديم الدعم الأمنى والإستخباراتى المتقدم للهند، خاصةً فى النزاعات الحدودية مع باكستان، كما كانت تل أبيب بمثابة المصدر الرئيسى لتكنولوجيا المراقبة والطائرات المسيرة التى تستخدمها نيودلهي فى كشمير. وما يلفت الإنتباه اليوم هو أن التضامن الإسرائيلى لم يتوقف عند الجانب الرمزى فى مواجهة باكستان، بل تخلله أيضاً نقاش بين رئيسى الوزراء الهندى والإسرائيلى “نتنياهو ومودى”، حول مشروع (ممر النقل الإقليمى) الذى سيربط الهند بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، وذلك فى محاولة لتقويض النفوذ الصينى وربط الهند إستراتيجياً بإسرائيل على حساب مصالح مصر فى قناة السويس ومصالح الصين ومبادرتها للحزام والطريق.
وهنا نفهم سبب هذا التأييد الصينى الكبير لباكستان بسبب (مشروع الممر الإقتصادى الصينى – الباكستانى)، المعروف بإسم
CPEC
وهو المشروع الذى سيربط الصين بالمياه الدافئة عبر باكستان، ويمر عبر مناطق متنازع عليها مع الهند. ومن أجل تلك المصالح بين الصين وباكستان، تقدم الصين دعم سياسى ودبلوماسى مستمر لباكستان فى المحافل الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بقضية كشمير أو تصنيف الجماعات المسلحة، مع رفض الصين تصنيف عدداً من الجماعات الباكستانية كإرهابية فى الأمم المتحدة رغم وجود ضغوط أمريكية وهندية من أجل ذلك. فضلاً عن سعى بكين عبر هذا الدعم السخى إلى باكستان إلى تحجيم الدور الهندى فى منطقة آسيا كحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وخلق توازن ضغط على حدودها الغربية، خاصةً في ظل إحتدام الخلافات الحدودية بين الهند والصين فى مناطق (لاداخ وجبال الهيمالايا).
ويعد الصراع فى قلب جنوب آسيا بين الهند وباكستان، واحداً من أكثر المعادلات الجيوسياسية تعقيداً وحساسية، وهى العلاقة المتوترة بين الهند وباكستان. حيث لم تعد هذه العلاقة تفهم فقط من خلال النزاعات الحدودية أو الطائفية، بل أصبحت تحلل فى إطار أوسع، حيث تتداخل مصالح وأولويات القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين. لقد تحول الصراع بين هاتين الدولتين النوويتين إلى عنصر مؤثر فى لعبة النفوذ العالمى، حيث تعتبر الهند حليفاً إستراتيجياً متزايد الأهمية للغرب، بينما تظل باكستان شريكاً رئيسياً للصين فى مشروعها الجيو إقتصادى العملاق للحزام والطريق عبر مشروع الممر الإقتصادى وميناء جوادر الباكستانى ذا الإستثمارات الضخمة الصينية.
ودعمت إسرائيل الهند بعد الهجوم فى كشمير، والذى لم يكن مجرد حدث أمني، بل فتح الباب أمام تصعيد هندى بدعم إسرائيلى متعدد الجوانب، منها: (تعليق المعاهدة المائية بين الهند وباكستان، طرد الدبلوماسيين الباكستانيين من الهند، إلغاء التأشيرات الهندية إلى باكستان)، فضلاً عن العديد من الإجراءات الهندية الأمنية الداخلية المشددة تجاه كل ما يتعلق بباكستان ومواطنيها. واللافت أن هذا التصعيد يحظى بدعم سياسي وإعلامي من الجانب الإسرائيلي، الذي يرى في الهند شريكاً طبيعياً فى مشروعه الأوسع للهيمنة الأمنية في آسيا والشرق الأوسط.
وهو ما يثبت العلاقة المتينة بين حكومة اليمين القومي الهندوسي بقيادة “ناريندرا مودى”، وحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بقيادة “بنيامين نتنياهو”، والتى لم تعد تقتصر على تبادل الخبرات الأمنية. بل باتت تتمثل فى: (تحالف أيديولوجى بين نيودلهى وتل أبيب قائم على رفض الحركات التحررية والمقاومة، تنسيق إستخباراتى عالى المستوى في كشمير وفلسطين، رؤية موحدة لدمج المصالح الإقتصادية تحت غطاء مكافحة الإرهاب). فإسرائيل لا تتضامن مع الهند فقط، بل تقف خلفها سياسياً وتقنياً وإستخباراتياً، فى مواجهة أى قوة تعارض التوسع الإقليمى أو ترفض التطبيع مع إسرائيل كباكستان.
وهنا جاء الرد الهندى بإرسال طائرات مسيرة من طراز “هاروب الإسرائيلية” لعدة مواقع باكستانية فى لاهور وكراتشى. وبحسب التصريحات العسكرية الإسرائيلية، فإن “مسيرات هاروب الإسرائيلية” مع الهند فى مواجهة باكستان، هى بمثابة سلاح متجول يتم إطلاقه من خارج ساحة المعركة. أما عن خطورة تلك المسيرات الإسرائيلية “هاروب”، هى أنه يمكن للطائرة المسيرة الإسرائيلية البقاء محلقة فوق منطقة معادية لفترة طويلة، وأن تحدد الأهداف قبل الإصطدام بها. وتعرف تلك المسيرات الإسرائيلية مع الهند، بأنها من الأسلحة الأكثر دقة وتقدماً فى العالم، وتنتجها شركات الصناعات الجوية الإسرائيلية، وتم تطويرها فى ٢٠١٤.
وأعلنت إسرائيل عبر وسائل إعلامها المقربة من وحدة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بأن باكستان دولة عدوة لتل أبيب، والتى وصفها الإعلام العبرى بالدولة المعادية لإسرائيل والتى تحظر على الإسرائيليين زيارتها. مع التأكيد الهندى الإسرائيلى الرسمى، على أن إسرائيل والهند تتقاسمان قيماً مشتركة فى مجالات الإبتكار والزراعة المتقدمة والصحة والتكنولوجيا العسكرية. فضلاً عن التأكيد عن التحالف الأمنى بين الهند وإسرائيل فى وجه باكستان تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”. وفى مؤشر جديد على تعزز الشراكة الأمنية والعسكرية بين الهند وإسرائيل، أعرب رئيس الوزروزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” عن تضامنه الكامل مع نظيره الهندي “ناريندرا مودى” فى أعقاب الهجوم الذي وقع في إقليم كشمير، وأسفر عن مقتل ٢٦ شخصاً.
كما سارعت إسرائيل إلى تأكيد دعمها للهند عقب إعلان نيودلهى توجيه ضربات صاروخية على ٩ مواقع في باكستان، وبينما وصف الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب* تصاعد التوتر الهندي الباكستاني بالأمر المؤسف، وصدرت تحذيرات أممية وإقليمية من أن العالم لا يمكن تحمل مواجهة عسكرية بين الجارتين النوويتين. كما جاء تعقيب السفير الإسرائيلي “رؤوفين عازار” فى السفارة الإسرائيلية فى العاصمة الهندية”نيودلهى”، بأن “إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها، واثقاً من دعم إسرائيل الكامل للضربات الهندية على باكستان”. كما جاءت نفس منشورات السفير الإسرائيلى “رؤوفين عازار” على منصات التواصل الإجتماعى، بأن: “إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن النفس، ويجب أن يعلم الإرهابيون أنه لا مكان للإختباء من جرائمهم ضد الأبرياء”.
تكشف هذه التصريحات الإسرائيلية الهندية المشتركة عن تقارب أيديولوجى بين الطرفين، إذ يعتمدان خطاباً مشتركاً يجرم المقاومة أو المعارضة بوصفها إرهاباً، ويتجاهلان السياقات السياسية والحقوقية للنزاعات، سواء في كشمير أو فلسطين وقطاع غزة.
كما جاء إعلان باكستان عن إسقاط ٢٥ طائرة مسيرة إسرائيلية الصنع أطلقتها الهند عليها، بعد إندلاع المواجهة العسكرية بين الطرفين، وهنا وكما يتضح لنا تحليلياً ووفق كل الشواهد، فإنه يبدو أن لإسرائيل مكاناً على خط الصراع الأخطر بين نيودلهى وإسلام آباد. لذا جاء الحرص الإسرائيلى على إمداد الهند بالمسيرات الإسرائيلية الصنع، فضلاً كما ذكرنا عن إعطاء أوامر من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية لسفيرها فى الهند “رؤوفين عازار” فى التأكيد على دعم تل أبيب الكامل لنيودلهى فيما وصفه السفير الإسرائيلى بحق الدفاع عن النفس، وذلك فى مقابلات رسمية مع وسائل إعلام هندية خصصت لها صحيفة “يديعوت إحرنوت الإسرائيلية” مساحات كبيرة. وأشار الإعلام الهندى صراحةً بأن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي أعربت عن دعمها للهند بعد عملية “سندور” ضد باكستان، وأجروا مقارنة بين هجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٥ بقيادة حركة حماس على إسرائيل والهجوم الأخير فى “فاهالغام” فى الهند، مع تأكيد السفير الإسرائيلى فى الهند عن الدروس التي يمكن أن تستفيد منها الهند من تجربة إسرائيل. بتأكيده على أن هجوم “فاهالغام” يشبه هجوم ٧ أكتوبر على إسرائيل من حيث الشدة، ووفقاً لوجهة نظر السفير الإسرائيلى فى الهند، فالديمقراطيات ليس أمامها خيار سوى التصرف ضد مثل هذه التهديدات الخطيرة لأمنها. مؤكداً دعم إسرائيل لممارسة الهند حقها الأصيل فى الدفاع عن النفس بشكل مسؤول لحماية أمن وسلامة مواطنيها فى مواجهة الإرهابيين من باكستان.
أما عن موقف الصين، بإعتبارها الحليف القريب لباكستان، بسبب أهمية الجانب الباكستانى لمبادرتها الهامة للحزام والطريق، فضلاً عن كون الصين أكبر مستثمر فى باكستان، من خلال مشروع الممر الإقتصادى الصيني الباكستانى لطريق الحرير، وميناء جوادر الباكستانى الإقتصادى بإستثمارات صينية كاملة، والذي تبلغ قيمته ٦٥ مليار دولار ويمتد عبر الحدود بين الصين وباكستان ويصل الصين بباقى دول آسيا والعالم. كما أن لدى الصين أيضا مطالبات حدودية متعددة متنازع عليها مع الهند، إحداها فى الجزء الشمالى الشرقى من منطقة كشمير. ورغم ذلك، دعت الصين كلاً من نيودلهي وإسلام آباد إلى وضع السلام والإستقرار فى المقام الأول والإمتناع عن التصعيد، وأعلنت الصين صراحةً عن أسفها للعمل العسكرى الذي قامت به الهند. كما أعربت الصين رسمياً عن شعورها بالقلق إزاء التطور الحالى. وقال المتحدث بإسم الخارجية الصينية فى بيان له، بأن الصين تعرب عن أسفها إزاء الأعمال العسكرية الهندية، وتشعر بالقلق إزاء التطورات الحالية، وبأن الصين تعارض جميع أشكال الإرهاب. مع توجيه دعوة صينية لكلاً من الهند وباكستان إلى إعطاء الأولوية للسلام والإستقرار فى منطقة آسيا لتأثيراتها على العالم، والإلتزام بالهدوء وضبط النفس، وتجنب إتخاذ إجراءات تزيد من تعقيد الوضع بين الطرفين.
ومن خلال التحليل السابق، لا يمكننا فهم هذه التوترات بين الهند وباكستان بمعزل عن التحولات الإقليمية والدولية، حيث أصبحت الهند وباكستان أكثر إرتباطاً بمحاور نفوذ أكبر تتداخل فيها مصالح واشنطن وبكين، فى ظل عالم يتجه نحو تصاعد الإستقطاب الاإستراتيجى بين القوى الإقليمية والعظمى وتتعلق بمصالح إقتصادية وجيو سياسية كبيرة لكلا الطرفين.

Discover more from بوابة العاصمة

Subscribe to get the latest posts sent to your email.

Leave a Reply

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار