العاصمة

نظام الدفع بتقنية بلوكتشين المُغيّر لقواعد اللعبة فى مجموعة البريكس: مستقبل المعاملات العالمية

0
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
نظام الدفع الجديد لمجموعة البريكس، الذي أطلقته الصين وروسيا بشكل رئيسى، والمعروف أيضاً بإسم “BRICS Pay” هو نظام مراسلة دفع مستقل ولامركزي مُخطط له، يتيح لدول البريكس التداول فيما بينها بعملاتها الخاصة، بغض النظر عن الدولار الأمريكي. تُعدّ وزارتا المالية الروسية والصينية وبنوكهما المركزية، بالتعاون مع شركاء البريكس، تقريراً لقادة البريكس حول مشروع “تحسين النظام النقدى والمالى الدولى”، والذى سيتضمن قائمة بالمبادرات والتوصيات المتعلقة بالمشروع. قد يُسفر هذا التقرير عن إنشاء منصة دفع وتسوية رقمية متعددة الأطراف، تُساعد على توحيد الأسواق المالية لدول البريكس وزيادة حجم التجارة بينها. في هذه الحالة، يُمكن استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية لدول البريكس، مع ربط سعرها بقيمة العملات الوطنية. مع الأخذ في الاعتبار أن “منصة التسوية والدفع الرقمية ستكون لامركزية، بحيث لا يتمكن أي مشارك من تقييد إجراءات الآخرين”، ينبغى أن توافق روسيا والصين على هذا الإقتراح. وفى حال الموافقة على المبادرة التى إقترحتها روسيا والصين، سيُطلب من دول البريكس تنسيق العمل التشريعى بشأنها. ولا يزال العمل جارياً على فكرة التوجه نحو عملة موحدة يمكن إستخدامها بين دول البريكس، وهناك أيضاً توجه نحو إستخدام المزيد من العملات الوطنية، بما فى ذلك العملات الرقمية، مثل الروبل الروسى الرقمى واليوان الصيني الرقمى.
أكد ذلك نائب وزير الخارجية الروسى “سيرغى ريابكوف” فى مقابلة مع صحيفة “بوليتيكا” الصربية يوم الثلاثاء ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٤، حيث قال: “من المتوقع حدوث تطورات كبيرة فيما يتعلق بآليات الدفع المتبادل في دول البريكس بعد قمة قازان”. وأضاف “ريابكوف “- فى المقابلة التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية على موقعها الرسمى-: “أعتقد أن الجميع سيشهد تطورات مهمة في هذا المجال في ختام قمة قازان. وكما يقول أصدقاؤنا الصينيون، فإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة صغيرة. أعتقد أننا سنتخذ خطوة أولى ليست بالصغيرة”. وأضاف “ريابكوف” فى المقابلة التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية على موقعها الرسمى: “لكن لا ينبغى أن نتوقع قفزة هائلة إلى الأمام. من المرجح أن تكون هذه العملية متطورة لأن مجموعة البريكس تعمل على أساس التوافق”. وأشار الدبلوماسى الروسى إلى أنه “لا يزال هناك طريق طويل للإنتقال تدريجياً من المدفوعات بالعملات الوطنية إلى إنشاء عملة بريكس واحدة”.
هنا، تخطط دول البريكس لإطلاق منصة أصول رقمية للتسويات عبر الحدود، وإنشاء عملة بريكس جديدة، أو دعم أى عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي، وهى خطوة يبدو أنها أثارت غضب الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب”. لهذا السبب، حذر الرئيس “ترامب” دول البريكس، بما فى ذلك الهند، من الإستعداد لزيادة التعريفات الجمركية بنسبة ١٠٠٪ إذا واصلت جهودها للحد من دور الدولار الأمريكى فى الإقتصاد العالمى. مع تصريح “ترامب” بأنه: “إذا مضت دول البريكس قدمًا في خططها لتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكى، فإنها ستفقد فرصة بيع أي من أصولها للولايات المتحدة”.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التحذير من الرئيس الأمريكى “ترامب” يأتي بعد أيام قليلة من موافقة “مجلس الشيوخ الروسي” على مشروع قانون يحدد الإطار الضريبي للأصول المشفرة، وهي خطوة نحو إضفاء الشرعية على العملات المشفرة في البلاد. ومع ذلك، لم يكن هناك أي رد من بوتين أو رئيس الوزراء الهندى “ناريندرا مودى” أو الرئيس الصينى “شى جين بينغ” على تحذير الرئيس “ترامب” حتى الآن. كما ازدادت الضغوط على كل من الصين وروسيا لتقليل إعتمادهما على الدولار الأمريكى بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات متعددة عليهما. كانت المخاوف في الصين بشأن الأمن القومى الصيني المتعلقة بحرب التكنولوجيا الأمريكية عاملاً رئيسياً، بينما أدت الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا إلى فرض عقوبات ليس فقط من قبل الولايات المتحدة ولكن أيضاً من قبل دول أخرى على روسيا وإقتصادها.
فمنذ مارس ٢٠٢٤، بدأت مجموعة البريكس فى التخطيط لشبكة دفع رقمية مدعومة بالعملات المشفرة. ومن المتوقع أن تسهل المنصة، التى يُطلق عليها مؤقتاً إسم
BRICS Pay
فى عمليات التسوية عبر الحدود للدول المذكورة أعلاه بإستخدام الأصول الرقمية مثل العملات المشفرة والعملات الرقمية للبنوك المركزية. كما تخطط دول البريكس لإطلاق نظام الدفع الداخلى هذا إلى جانب منصة مراسلة آمنة، على غرار “نظام سويفت”
“SWIFT”
الذى تستخدمه البنوك الدولية حالياً لتسهيل الإتصالات الداخلية. ولا يزال الجدول الزمنى لإطلاق هذه المنصة غير مؤكد.
ومنذ العام الماضى ٢٠٢٤، حظى نظام دفع البريكس
(BRICS Pay)
بإهتمام كبير. ومع ذلك، هدد الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” بفرض تعريفة جمركية بنسبة ١٠٠٪ إذا إبتعدت دول البريكس عن الدولار. وهناك العديد من الأهمية المستقبلية لنظام دفع البريكس، ويمكن تحقيق هذه الرؤية من خلال إنتقال البريكس نحو نظام دفع غير دولارى. تتجه دول البريكس نحو توسيع نطاق المدفوعات غير الدولارية، فى ظل سعى دول المجموعة إلى التخلي عن نظام سويفت للمراسلات المصرفية الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة. وتشمل خطط المجموعة، التى تضم روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا، إنشاء نظام دفع دولى، وهو نظام “بريكس باى”، يعتمد على “تقنية بلوكتشين”، أى الأصول الرقمية.
تسمح روسيا باستخدام الأصول الرقمية فى المدفوعات الدولية، ما يتيح تجاوز العقوبات والعقبات الغربية بفضل هذه الآلية اللامركزية التي ستشمل عملات متعددة. وستساهم هذه الآلية في تعزيز النفوذ الإقتصادى لمجموعة البريكس وتسريع ظهور عملة فوق وطنية، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لمكانة العملة الأمريكية.
من الأهداف الرئيسية لدول البريكس التخلى عن الدولار وإستخدام العملات الوطنية فى المعاملات التجارية. تجدر الإشارة إلى أن ٩٥% من المعاملات التجارية بين روسيا والصين تتم بالروبل واليوان. كل هذا يُعزز القدرة على الدفع، ويعزز الإستقرار الإقتصادى فى مواجهة الغموض وعدم اليقين والصدمات الخارجية.
تتمحور فكرة الآلية حول إنشاء منصة خاصة تعتمد على العملات الرقمية فى دول البريكس لتنفيذ التسويات المالية، مما سيكسر إحتكار نظام سويفت الغربى للعمليات المالية حول العالم. وتعتزم دول البريكس إنشاء نظام دفع يعتمد على تقنية العملات الرقمية.
وفى ضوء إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية للدولار كأداة فى فرض العقوبات، ووصول الدين العام الأمريكى إلى مستويات فلكية، تعمل دول العالم، وعلى رأسها دول البريكس، على زيادة إستخدام العملات الوطنية فى التجارة الدولية.
وبناءً على ذلك، تتطلع جميع دول البريكس وشركاؤها فى دول الجنوب النامي إلى دور قيادى للبريكس في تطوير حلول مبتكرة لأزمة الديون والضغوط الاقتصادية التى تفرضها الولايات المتحدة والغرب، من خلال صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الغربية الأخرى. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير آلية دفع رقمية جديدة ومبتكرة، بدعم من الصين وروسيا، وبالدرجة الأولى من خلال البريكس.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار