العاصمة

التعلم الخدمي

0
بقلم الدكتور : قياتي عاشور
لم تعد الجامعات المصرية مجرد أبنية للدراسة وتلقي المحاضرات، بل أصبحت مطالبة بدور أعظم أثرًا وأكثر فاعلية، فإلى جانب تخريج دفعات جديدة، يقع على عاتق أساتذتها وأعضاء الهيئة المعاونة مهمة جسيمة؛ تتمثل في إعداد جيل واعٍ، يمتلك المهارات اللازمة لسوق العمل، وقبل كل ذلك، يحمل هموم مجتمعه ويسعى إلى تغييره للأفضل؛ ولكن، كيف السبيل إلى تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟
هنا، يظهر “التعلم الخدمي service-learning كأحد الحلول الواعدة؛ إنه ليس مجرد مصطلح أكاديمي، بل هو فلسفة تعليمية متكاملة. تخيل أن طلاب الجامعة، بدلًا من الاكتفاء بالجلوس في قاعات الدرس، ينطلقون إلى المجتمع، ويتعاونون مع مؤسساته، ويتعلمون من خلال التجربة الحية، قد يزورون دارًا للمسنين، أو يشاركون في حملة لتجميل حي شعبي، أو يستطلعون آراء الناس حول مشكلة تؤرقهم.
هذا النهج له فوائد لا تحصى؛ إنه يشعل في نفوس الطلاب حماس المسؤولية، ويجعلهم يشعرون بأنهم جزء من مجتمعهم، وأن بإمكانهم إحداث فرق حقيقي؛ كما أنه يربط بين الدراسة النظرية والواقع المعاش، فيتحول العلم من مجرد كلمات في الكتب إلى أدوات للتغيير. والأهم من ذلك، أنه يقوي الروابط بين الجامعة والمجتمع، ويجعل الطلاب أكثر ارتباطًا بمحيطهم الاجتماعي.
لكن التحديات لا تتوقف هنا، فعالم اليوم يتطلب أكثر من مجرد شهادة جامعية. إنه يحتاج إلى شباب يمتلكون مهارات عملية، تناسب متطلبات سوق العمل؛ وعلى رأسها مهارات التكنولوجيا المتطورة. كما أنه يتطلب من علماء الاجتماع أن يتخلوا عن برجهم العاجي، وأن ينزلوا إلى الميدان، ليتفاعلوا مع الناس، ويسمعوا منهم، ويسعوا إلى حل مشكلاتهم.
إذن، كيف نجمع بين كل هذه الخيوط المتشابكة؟ الإجابة تكمن في كلمة واحدة: الإبداع. علينا أن نتحرر من قيود التفكير التقليدي، وأن نطلق العنان لمخيلتنا، أن نفكر في مشاريع مبتكرة، تجمع بين التعلم وخدمة المجتمع، وتوظف التكنولوجيا والفن في تحقيق ذلك.
لنتخيل معًا بعض هذه المشاريع: طلاب ينتجون “بودكاست” يناقشون فيه قضايا تهم الشباب، أو ينظمون ورش عمل لتعليم مهارات الحاسوب لكبار السن، أو يستضيفون شخصيات ملهمة من المجتمع في حوارات مفتوحة. أو ربما يصورون أفلامًا قصيرة تعالج مشكلات اجتماعية، أو يطلقون حملات توعية عبر “وسائل التواصل الاجتماعي”، وغيرها، والأمثلة لا حصر لها. والمهم هنا هو أن هذه الأنشطة ليست مجرد “إضافة” على الدراسة، بل يجب أن تكون جزءًا أساسيًا منها. إنها تجعل الطلاب يكتشفون مواهبهم وقدراتهم، وتمنحهم خبرة عملية لا تقدر بثمن. كما أنها تفتح لهم أبوابًا للتواصل مع المجتمع، وتجعلهم يشعرون بأنهم جزء من نسيجه.
وفي النهاية، يتعين أن نؤمن بأن التعليم الحقيقي هو الذي يلامس الواقع، ويحفز الطلاب على التفكير والإبداع، ويجعلهم قوة فاعلة في مجتمعاتهم، ومع قليل من الإبداع، يمكننا أن نحوّل جامعاتنا إلى منارة لتغيير المجتمع إلى الأفضل.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار