
الصعود السريع لتطبيقات DeepSeek فى الصين والصناعات الناشئة المتمثلة فى الذكاء الإصطناعى والروبوتات
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تأسست DeepSeek AI Robotics الصينية في عام ٢٠٢٣، ولكن حتى ٢٤ يناير ٢٠٢٥، لم يكن أحد قد سمع عنها تقريباً. ثم، بين عشية وضحاها تقريباً، أصبح DeepSec الموضوع الأكثر سخونة للمناقشة فى عالم الذكاء الإصطناعى. وهذا ما يثير سؤالاً كبيراً للمستثمرين والشركات التكنولوجية الأمريكية: لماذا تنفق الشركات الأمريكية مليارات الدولارات بينما من المفترض أن DeepSeek فعلت ذلك مقابل عدة ملايين من الدولارات؟
فلقد أحدث روبوت دردشة صينى، أطاح بالفعل بمنافسيه الأمريكيين ChatGPT (OpenAI) وGemini (Google) وغيرهما، ليصبح التطبيق المجانى رقم ١ بلا منازع على متجر تطبيقات Apple. وبحسب موقع Bandili الصينى المتخصص فى أخبار التكنولوجيا ومقره بكين، فإن تطبيق “DeepSeek” هو أول تطبيق صينى يصل إلى قمة التصنيف لكل من النسختين الأمريكية والصينية من متجر تطبيقات iPhone يوم الإثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥. وكان التقدم السريع والمفاجئ للتطبيق الصينى بمثابة مفاجأة لعمالقة وادى السيليكون فى واشنطن، خاصةً وأن الشركة التى تقف وراء إطلاق روبوت الدردشة الجديد قبل أسبوع هي شركة صينية صغيرة جداً.
وتتخذ شركة DeepSeek من “هانغتشو” عاصمة مقاطعة تشغيانغ بشرق الصين مقراً لها. وتُظهر البيانات المحلية أن “ليانغ وينفنغ” المؤسس المشارك لصندوق التحوط High Flyer، يمتلك حصة كبيرة فى الشركة. وقال الصندوق على حسابه الرسمى على WeChat فى مارس ٢٠٢٣، إنه “يبدأ من جديد” وسيزيد من تخصيص الموارد لتشكيل “مجموعة بحثية مستقلة جديدة لإستكشاف جوهر الذكاء الإصطناعى العام”. كما تشتهر شركة DeepSec بتقديم رواتب جذابة لمهندسى الذكاء الإصطناعى فى الصين.
فلقد تمكن النموذج الأول من روبوت المحادثة الجديد “DeepSec-R1” الذى أطلقته شركة ناشئة صينية فى ٢٠ يناير ٢٠٢٥ من منافسة عمالقة الذكاء الإصطناعى الأمريكيين بسرعة مذهلة وملحوظة. لم يستغرق روبوت المحادثة الجديد الذى أطلقته شركة الذكاء الاصطناع٦ الصينية الناشئة DeepSeek قبل أسبوع وقتاً طويلاً فى إحداث إضطراب فى القطاع، حيث سرعان ما أصبح قادراً على منافسة الشركات الأمريكية الكبرى، وخاصةً بفضل تكلفته التي تقل بعشر مرات على الأقل عن منافسيه. فهل تهدد هذه الظاهرة التكنولوجية الجديدة النموذج الإقتصادى لشركة OpenAI بعد أن تسببت بالفعل فى هبوط أسهم عمالقة وادى السيليكون فى البورصة؟
حيث أثار إطلاق روبوت الدردشة الصينى DeepSeek موجة من التغيير فى قطاع تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، بعد أن تجاوز بسرعة برنامج ChatGPT التابع لشركة OpenAI ليصبح تطبيق iPhone المجانى الأكثر تنزيلاً وتحميلاً فى الولايات المتحدة، مما تسبب فى خسارة ضخمة لشركة صناعة الرقائق Nvidia، والتي بلغت حوالى ٦٠٠ مليار دولار من القيمة السوقية فى يوم واحد، محققة رقماً قياسياً جديداً فى سوق الأسهم الأمريكية. DeepSeek هو روبوت دردشة مجانى يعمل بالذكاء الإصطناعى فى الصين، يشبه ChatGPT، يقول مطوروه إنه مصمم “للإجابة على أسئلتك وتحسين حياتك بكفاءة”. إنه يمثل إختراقاً فى عالم الذكاء الإصطناعى من حيث تدريبه وتطويره.
قد يثبت برنامج DeepSec الصينى أنه لا يتطلب موارد ضخمة لبناء نماذج الذكاء الإصطناعى المعقدة. من المرجح أن نرى تطوير نماذج ذكاء إصطناعى قوية بموارد أقل بشكل متزايد حيث تبحث الشركات عن طرق لتدريب النماذج وتشغيلها بكفاءة أكبر. لقد سيطرت شركات “التكنولوجيا الكبرى” الأمريكية حتى الآن على قطاع الذكاء الإصطناعى، ووصف الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” صعود شركة DeepSec الصينية بأنه “جرس إنذار” لقطاع التكنولوجيا الأمريكى.
وفى الوقت الحالى، تشهد الصناعات الناشئة التى يمثلها الذكاء الإصطناعى والروبوتات إرتفاعاً سريعاً فى الصين، حيث أصبح “الذكاء الإصطناعى” مصطلحاً متكرراً مؤخراً. لقد جذبت إبتكارات مثل DeepSeek والروبوتات الشبيهة بالبشر إنتباه العالم. وهناك العديد من الملاحظات والتوقعات فيما يتعلق بتطوير قدرات الإبتكار المستقلة فى الصين. وهنا تواصل الصين تعزيز قدراتها فى الإبتكار العلمى والتكنولوجى. كما إحتلت الصين المرتبة الأولى فى العالم فى عدد طلبات براءات الإختراع فى عام ٢٠٢٢، وإحتلت المرتبة ١٢ فى مؤشر الإبتكار العالمى ٢٠٢٣. كما عززت الصين بشكل مطرد قدراتها فى الإبتكار العلمى والتكنولوجى، لتصبح أكبر دولة فى العالم من حيث الموارد البشرية وعدد العاملين فى البحث والتطوير.
وذكر تقرير لصحيفة الشعب اليومية الصينية أن “الإبتكار العلمى والتكنولوجي ساهم في النمو الاقتصادي للصين، حيث زاد الاستثمار في الصناعات عالية التقنية بنسبة ١١.١ فى المئة على أساس سنوى من يناير إلى أكتوبر ٢٠٢٢”. كما فتح الإبتكار مجالات جديدة للتنمية الإقتصادية فى الصين، مثل: المركبات التى تعمل بالطاقة المتجددة وبطاريات الليثيوم ومنتجات الطاقة الكهروضوئية.
لقد جذب الإبتكار العلمى والتكنولوجى فى الصين إهتماماً عالمياً، حيث أصبحت الصين مشاركاً مهماً فى الإبتكار الدولى المتطور، وتخطط لمواصلة تعزيز قدراتها فى الإبتكار العلمى والتكنولوجى لتعزيز التنمية الإقتصادية عالية الجودة فى الصين وحول العالم.
تتبنى الصين بجدية DeepSeek لتسريع نمو الذكاء الإصطناعى فى البلاد. ستساهم DeepSeek بنحو ٢٠ إلى ٣٠ نقطة أساسية فى إقتصاد الصين بحلول عام ٢٠٣٠. لقد حققت DeepSeek قفزة كبيرة إلى الأمام فى مشهد الذكاء الإصطناعى فى الصين، لتصبح محركاً رئيسياً للتبنى عبر القطاعات، وهذه الإنجازات تجعلها بديلاً أكثر فعالية وبأسعار معقولة لمنافسيها فى الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يبدأ تأثير تكامل الذكاء الإصطناعى من خلال DeepSeek فى الشعور به على النمو الإقتصادى للصين فى وقت مبكر من العام المقبل ٢٠٢٦. ومن المتوقع أن يساهم هذا فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى للصين على المدى الطويل بنحو ٢٠ إلى ٣٠ نقطة أساسية بحلول عام ٢٠٣٠.
وفى خطوة تعكس الدعم القوى من الحكومة، رحب الرئيس الصينى “شى جين بينغ” شخصياً بمؤسس DeepSeek “ليانغ وينفينغ” فى إجتماع رفيع المستوى عقد مؤخراً، مما منحه مقعداً فى الصف الأمامى بين كبار قادة الأعمال فى البلاد. ويؤكد هذا التقدير إلتزام الصين بالنمو الإقتصادى المدفوع بالذكاء الإصطناعى.
كما تستغل الشركات الصينية الكبرى، مثل: (على بابا، وهواوى، وتينسنت) الفرصة لدمج تقنية “ديب سيك” فى عملياتها. وتتطلع هذه الشركات إلى تطبيق حلول الذكاء الإصطناعى على الحوسبة السحابية، والخدمات المالية، وتكنولوجيا الهواتف الذكية، وتعزيز التحول الرقمى والإبتكار فى الإقتصاد الصينى. ويعد إعتماد الذكاء الإصطناعى بتحقيق مكاسب إنتاجية كبيرة فى الصين فى الداخل والخارج. ويعكس الصعود السريع لشركة “ديب سيك” والدعم الإستراتيجى من الحكومة الصينية طموحات الصين الأوسع لقيادة ثورة الذكاء الإصطناعى العالمية. ومع هذه العوامل، لا تعمل “ديب سيك” على تشكيل النظام البيئي للذكاء الإصطناعى فى الصين فحسب، بل تعيد أيضاً تعريف المسار الإقتصادى للبلاد فى السنوات القادمة.
وعليه، يبدو من المرجح أن تلعب الشركات الأصغر مثل “ديب سيك” فى الصين دوراً متزايداً فى تطوير أدوات الذكاء الإصطناعى التى يمكن أن تجعل حياتنا أسهل، وسيكون من الخطأ تجاهل ذلك.