مشكلة” العنوسة” الأسباب والحلول
تحقيق : إيمان السيد الكنفاني
العنوسة آفة تكاد اليوم أن تكون موجودة في كل بيت فلا يكاد يخلو بيت من وجود شاب أو فتاة بلغت سن الزواج وتجاوزته ولم تتزوج بعد وطال مكثها في بيت أهلها ولا زالت تعد في عاد العذارى والأبكار خاصة مع ازدياد نسبة الإناث على نسبة الذكور ، إنها مشكلة مستفحلة ومنتشرة في كثير من بيوتنا ومجتمعاتنا العربية ففي مصر وصل عدد العانسين والعانسات إلى أكثر من تسعة ملايين شخص إنها أرقام خطيرة ومؤشرات كبيرة وإحصائيات مخيفة تجعل الحديث عن هذه الظاهرة أمراً يستوجب الدراسة ويتطلب البحث عن المعالجات والحلول.
هناك عدة أسباب دفعتني لاختيار هذا الموضوع أهمها كشف النقاب عن ظاهرة من أهم وأخطر الظواهر التى تهدد كيان المجتمع وهى ظاهرة ” العنوسة ” , وكذلك الواقع المؤلم للشباب والفتيات ممن هم فى سن الزواج . ومحاولة أيضا المساهمة فى معالجة الظاهرة ، وذلك من خلال وضع الحلول والعلاجات لمشكلة العنوسة.
آثار العنوسة:
وأمام هذا التعدد والتنوع في الأسباب التي أفضت إلى هذه المشكلة الخطيرة، فقد أفرزت هذه المشكلة العديد من الآثار التي تهدد المجتمع الإسلامي، وتؤثر في تماسكه، وتظهر خطورة العنوسة على عدة مستويات:
خطورتها بالنسبة للفتاة:
بحيث تصاب الفتاة (العانس) بالعديد من الآلام النفسية، فتشعر بالحزن والاكتئاب، والنفور من الناس خشية السخرية والتلميح الجارح، وهذا قد يترتب عليه العديد من الآلام العضوية. والأخطر أن الفتاة قد تنحرف عن الطريق السوي التماسًا للسكن والعاطفة.
خطورة العنوسة بالنسبة للأسرة:
تُحْدِثُ العنوسة آثارًا نفسية سيئة على كل أسرة فيها عانس، حيث يشعر أفرادها بالهم والغم، بل الخزي والعار في بعض المجتمعات، حيث الخوف من نظرات الناس وتفسيرها بغير معناها واعتبارها نوعًا من الاتهام لهم ولبناتهم، مما يؤثر بصورة سلبية على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
خطورة العنوسة بالنسبة للمجتمع:
حيث يؤدي انتشار ظاهرة العنوسة لأخطار شديدة على المجتمعات، إذ يحدث التفكك والتحلل في المجتمع، وتنتشر الأحقاد والضغائن بين أفراده، كما ينتشر الفساد والرذائل والانحرافات، التي تندفع إليها بعض الفتيات في ظل الدوافع النفسية التي يعانين منها.
كما تنبت وتترعرع في ظل مشكلة العنوسة بعض العادات الجاهلية؛ كالسحر والدجل والشعوذة، ظنًّا من البعض أن هذا سيؤدي إلى زواج بناتهم.
أسباب العنوسة :
تعد مشكلة العنوسة أو تأخر زواج الفتاة من المشاكل الإجتماعية التي أصبحت تعاني منها البلاد العربية بشكل كبير…وقد يخلف البعض على تحديد سن العنوسة وهذا يكون بناءًا على المفاهيم المتعارف عليها لسن الزواج بالنسبة لكل شريحة في المجتمع….فنجد أن المجتمعات الريفية وأهالي القرى تعتبر أن تجاوز الفتاة لسن العشرين من عمرها يعتبر (عنوسة) أما المجتمعات المتمدنة فتحدد الثلاثين وما بعدها نظراً إلى أن الفتاة يجب أن تتم تعليمها قبل الإرتباط والإنجاب….
وتعزي بعض الدراسات هذه الظاهرة إلى أسباب كثيرة أهمها
- الوضع الاقتصادي الذي يتضمن، في جملة ما يتضمن، غلاء البيوت، سواء كانت مستأجرة أم مملوكة، وما يرافق ذلك من ضعف دور الجمعيات التعاونية – هذا بالنسبة للبيوت. وعن هذه النقطة تحديدًا، أي عن الوضع الاقتصادي، نستطيع التوسع في صفحات لأنها لا تمس في طريقها السكن حصرًا، بل أثاث المنزل كاملاً، مما يقودنا إلى تكاليف الزواج، والمهر، وتكاليف حفلة العرس، والجهاز، إلخ. إن هذه الالتزامات أدَّت إلى تقليل فرص الزواج لعدم قدرة العريس على القيام بكلِّ هذه الأعباء. وهنا نلفت النظر إلى ظاهرة حديثة بدأت بالانتشار في مناطق عدة من العالم، وأعني ظاهرة الأعراس الجماعية وما يمكن أن توفره على العرسان من تكاليف باهظة. وقد اعتبرت أن هذه النقطة هي الأساس لأن معادلة المداخيل والنفقات غير المتوازنة هي، على ما يبدو، من المسببات الجوهرية لعنوسة الطرفين.
- هجرة الشباب، وتتضمن:
أ?. هجرة الشباب للعمل خارج البلاد بسبب ضعف فرص العمل وقلة الدخل فالكثير من الشباب مسؤول ليس فقط عن نفسه، بل أيضًا عن والديه.
ب?. هجرة الشباب الذين يسافرون من أجل الدراسة ويتزوجون من أجنبيات ويستقرون في بلاد الغربة؛ ولعل أحد أسباب زواجهم من أجنبيات هو رخص تكاليف الزواج.
ت – إن هجرة الشباب للدراسة قد أدت إلى نتيجة مفادها أن الطلاب الذين حصلوا على أعلى الشهادات العلمية وعادوا إلى الوطن عاشوا في تناقض فكري بين طريقة زواج تقليدية، يجد المرء فيها نفسه مضطرًا إلى الارتباط بشخص لا يعرفه، وبين الرغبة في زواج عصري وهذه الأسباب قد أدت بقسم هام منهم إلى عدم الزواج خوفًا من نتائج غير مضمونة، خاصةً أن التكافؤ الفكري والمساواة الثقافية بين الجنسين غير موجودين لأن الاختيار كثيرًا ما يتم عن طريق الصدفة أو عن طريق الخطَّابة وأيضًا…
- شاءت الطبيعة ازدياد نسبة الإناث عمومًا عن نسبة الذكور. وهذا الذي يبدو خللاً طبيعيًّا نلحظه في البلدان المتقدمة أكثر منه في البلدان النامية، ومنها سوريا وهذا قد يكون لحكمة ربانية، ربما لتخفِّف الطبيعة من غليان الذكور وتوتر العالم العسكري والسياسي وأيضًا…
- لعل من أهم أسباب العنوسة التفاوت الاجتماعي والثقافي، حيث غالبًا ما يرفض الأهل الزواج بسبب الوضع الطبقي أو الاجتماعي لأحد الطرفين لأنه “غير مناسب للطرف الآخر”، بغضِّ النظر عن الملائمة الفكرية أو العلاقة العاطفية التي قد تربطهما؛ مما يقود إلى تلك الحجة التي تتكرر دائمًا: “مش مناسبين لبعض”! ويأتي هنا دور الأهل التقليدي في منع هذا الزواج بحجة “عدم التكافؤ”.
وهذا الجانب يقودنا إلى الجانب الآخر الذي سأتطرق إليه بشكل موجز، المتعلق بالمستوى التعليمي؛ وهو جانب هام جدًّا، خاصةً منه ذلك الشق الذي يتعلق بموضوع تعليم الفتاة الناجم خاصةً عن إلزامية التعليم للذكور والإناث فهذا الجانب هو الذي يجعل من العلم والشهادات، في الواقع، أحد أسباب العنوسة وقد يكون من مسبباته أن طرق الزواج التقليدية لم تعد مناسبة للفتاة المتعلِّمة العاملة – هذه الفتاة، التي فتح العلمُ أمامها آفاقًا واسعة، أصبحت ذات شخصية قوية ومتطلبة، وصارت تضع شروطًا قد لا يقبلها الذكر العادي، وخاصة في بلد كبلدنا فهذه الفتاة أضحى لها الحق والقدرة، بحكم كونها تعمل وليست بحاجة لمعونة الأب أو الأخ؛ هذه الفتاة، التي قد تكون أحيانًا هي المعيل لأسرتها، أصبح بوسعها أن تقول رأيها وأن تعيش، إلى حدٍّ ما، مستقلة على هواها. وهذا مما يزيد من عامل العنوسة، وخاصة في بلادنا، لأن الكثير من الشبان الشرقيين، مع الأسف، مازال يفضل الفتاة ذات المستوى التعليمي المتوسط أو الضعيف، بحجة أن الفتاة المتعلِّمة خبرت الحياة وأن الرجل، حين يبغي تأسيس أسرة، يفضل امرأة خاضعة مستكينة، وليس امرأة تناقشه وتحاوره؛ وبالتالي، فهو بحاجة لأن يضمن سيطرته الكاملة على الأسرة التي ينوي إنشاءها. وهذا الوضع يُبعِده عن الفتاة المتعلِّمة التي تفضل لذلك البقاء دون زواج على ارتباط قائم على سيطرة ذكورية متخلفة. وأيضًا تُمنَع الفتاة أحيانًا من الزواج ظاهريًّا لإحدى الحجج التي ذكرناها؛ لكن سبب حرمانها من الزواج فعلاً هو عدم خروج الإرث من العائلة.
- إذا كانت كل الأسباب التي ذكرناها أعلاه تؤدي في النهاية إلى العنوسة فإن العنوسة ليست دائمًا عنوسة قسرية، بل هناك أيضًا عنوسة اختيارية؛ بمعنى أن اختيارها يتم بمطلق الإرادة وبكامل التصميم. لماذا؟
ربما يكون ذلك لعدم الرغبة في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال – وهذا ينطبق على الجنسين- أو قد يكون لأسباب نفسية، كتجربة تعرَّض لها أحد الطرفين وأدَّت إلى اتخاذ هذا الموقف (منها، مثلاً، قصص الحب الفاشلة، أو خيانة أحد الطرفين، أو الموت) وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى نقطة هامة من الجدير التطرق إليها، ألا وهي ذلك التطور الذي جعل من مجتمعنا مزيجًا متناقضًا ومتفجرًا من موروث قديم يعيش في قاع عقولنا، من جهة، وانفتاح لا مناص من قبوله والاعتراف به، من جهة أخرى فبعض الفتيات يُعجَبن مثلاً بأحد الشباب ويفضِّلن الارتباط به وتكملة مشوار العمر معه؛ لكن المجتمع والأعراف والتقاليد لا تسمح للفتاة بالتقدم لطلب يد الشاب، فتبقى هذه الفتاة تنتظر هذا الشاب الذي قد يكون غير شاعر بوجودها؛ وتستمر هذه الفتاة في رفض العرسان وانتظار هذا “الآخر” الذي قد لا يأتي. وهذا الأمر يؤدى، كما هو واضح، إلى عنوسة هي، في نفس الوقت، اختيارية وقسرية. فالمجتمع هو الذي يفرض شكل التعارف واللقاء، وهو الذي يمنع ما يبدو وكأنه خارج عن المألوف.
وأيضًا هناك وجه آخر لما أسميناه بالعنوسة الاختيارية، ألا وهو أن المرأة المستقلة اقتصاديًّا تستطيع العيش وحدها في مسكن خاص بها؛ وهي، مع تقدم السن، تصبح مقبولة اجتماعيًّا، خاصة وأن الأمان الاجتماعي في بلدنا، بشكل عام، قد زرع في نفسها الجرأة على اتخاذ قرار الاستقلالية عن الأخ المتزوج أو الأخت المتزوجة؛ وبالتالي، أصبحت هذه الفتاة غير مضطرة للزواج من أجل “السترة”. إذن، نستطيع أن نقول إن العنوسة الاختيارية تحمل في داخلها عنوسة قسرية يتحمل المجتمع جزءًا من مسؤوليتها بسبب عدم تغييره للكثير من عاداته وأعرافه.
يبقى أن من أسباب العنوسة عند المرأة، من أحد الجوانب، تفتُّح وعيها وعدم قبولها، بالتالي، ذلك المبدأ الشعبي المصري القائل: “ظل راجل ولا ظل حيطة”! وتفضيلها لهذا الطريق، على صعوبته، دليل على قوة الشخصية والإرادة، حيث يترتب على النساء اللواتي اخترن هذا الطريق أن يجابهن ليس فقط أسرهنَّ، بل المجتمع بكامله.
ولعلنا نضع بعض الحلول لهذه الظاهرة منها :
* يجب أن يعرف كل شاب وبنت انه لا يوجد إنسان كامل الكمال لله سبحانه وتعالى .
* ان لايكون هدف الشاب جمال البنت والبنت وسامة الشاب الجمال جمال العقل والروح .
* التخفيف من غلاء المهور . وعدم إثقال كاهل الشاب بالمصاريف الزائدة .
* الاقتداء بقول النبي صلى الله عليه وسلم ’ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ,.
* عقد جلسة مصارحة مع الأهل . ووضع الحلول الناسبة . وان لا يفسد الحياء مستقبل حياتك .
* على الآباء تقوى الله في أبناءهم . فهم يدمرون مستقبل حياة أبناءهم وهم لا يشعرون .
* إعطاء الشاب والبنت حرية الاختيار من أي جنس أو بلد يختاره في حدود ضوابط معينة .
* الموافقة على قبول المتزوج لان هذا هو الأصل كما ورد في القرآن الكريم .
* عدم التدليل الزائد للأبناء . والتربية الصالحة لهم
كلمة أخيرة:
يجب على المرأة -وهي مشغولة بعملها أو بتحصيل العلم- أن تتذكر أن المصير الطبيعي لها هو الزواج؛ لتسكن إلى زوجها، لإنشاء بيت جديد وعش هادئ، ولذا وجب عليها ألا تنغمس في مثل هذه المشاغل حتى يكبر سنها، فلا تجد الأنيس الذي يؤنس وحشتها، والأليف الذي يملأ فراغها، وإلا فالندم هو المصير، وعليها التيقن من عدم التعارض بين دائرة العلم والعمل، ودائرة الزواج والأسرة، فإذا اضطرت أن تختار إحدى هذه الدوائر فعليها أن تعرف أولى هذه الأمور فتختاره.