العاصمة

ملف راجل ميت

0

إيمان العادلى
الملف دا تم العثور عليه على لاب توب راجل لقوه ميت هو وأسرته …
(أنا بكتب لكُم دا لأني على وشك أموت …
أنا سامعهم، واقفين ورا الباب، مخالبهم الجعانة بتخربش الباب الخشب، أنا محتاج أحكيلكم قصتي، عشان أنا عارف ومتأكّد إنهم لمّا هيلاقوني هيقولوا عليّا مجنون، بس أرجوكم، اقروا اللي هكتبه كويس دا عشان تعرفوا إني مش مجنون، أنا ببساطة بكتب دا عشان أحذركُم، أحذركم من حقيقة العواصف الثلجية …
في المنطقة اللي أنا عايش فيها، العواصف الثلجية شيء شائع، بتحصل بشكل شبه يومي خلال شهور فصل الشتاء، في النهاية ومع التكرار بتتعوّد وتتعلّم إزاي تتعايش معاهم، لكن العاصفة دي تحديدًا كانت مُختلفة، الرياح الباردة كانت على وشك تكسّر زجاج الشبابيك، دمرت أجزاء من حديقتي، وطيرت المشاية اللي بحطها أدام الباب
الرياح كانت عاصفة برا، أنا وزوجتي كُنا قاعدين في المطبخ، قاعدين أدام الدفاية وبناكل، أولادنا خلصوا أكلهم من شوية وطلعوا أوضهم عشان يناموا، سابونا إحنا الإتنين بس، بصّت من الشباك للحظات قبل ما تقول: ” العاصفة النهاردة سيئة أوي، مش كدا؟ ”
قامت عشان تغسل الأطباق، رديت عليها: ” آه، بيقولوا إنها واحدة من أسوأ العواصف اللي مرّت علينا من سنين ”
بصّت للأوراق الطبية اللي على الترابيزة للحظات قبل ما تسألني: ” أخبار العلاج إيه؟ ”
” مش حلو، بيجبروني آخد الحبوب اللي بتعملي غسيل مُخ دي، مش قادر أتحملها، خصوصًا بعد اللي الحبوب دي عملته في ألايسا ”
تنهدت بعُمق وهي بتقعد على الكُرسي بتاعها وبتقول: ” حبيبي، أرجوك، لازم تسمعني كويس، ألايسا ماتت بسبب جرعة زيادة، متخليش موتها يقف عائق بينك وبين العلاج ”
مسكت إيدي وهي بتكمّل: ” أرجوك … بس …”
شديت إيدي منها وأنا بقف، عارفين، لو هي عاوزة تبقي جاسوس لصالح شركات الدوا دي، فمن الأفضل إنها تطعنني دلوقتي، الأمرين سواء عندي، وعشان أثبت وجهة نظري جبت أكبر سكينة من المطبخ وحطيتها في إيدها وأنا بقولها: ” يلا … أعملي دا ”
كُنت بصرخ فيها، لكن هي مكانتش فاهمة المُشكلة، كانت مصدومة من تصرفي
الدموع بدأت تملى عينيها، رمت السكينة على الأرض وهي بتقول: ” أرجوك … جو … بلاش تعمل كدا! … يا الله … أنا … أنا مش هقدر أتحمل الكلام دا مرة تانية … ”
خرجت تجري من المطبخ وهي بتعيّط، صبيت لنفسي كوباية ويسكي عشان أعصابي تهدى شوية، هي عملت كدا قبل كدا: حاولت تجبرني آخد أدوية بحجة إن عندي أمراض أنا مش مُصاب بيها، قعدت على الكُرسي بتاعي وأنا ببُص من الشباك، الأفكار المليانة غضب مالية راسي، حتى مراتي طلعت جاسوسة عند شركات الدوا، عشان يقنعوني آخد الدوا اللعين دا، أنا مش محتاجه
بس فجأة … حسيت إني شُفت حاجة غريبة برا الشباك، جاري … برا … عاري بالكامل!
عينيه كانت غريبة، مفيهاش أي إحساس ولا مشاعر، فمه مفتوح كأنه بيصرُخ صرخة صامتة، فتحت باب بيتي وبدأت أسمعه، كان بيقول حاجة، كان بيقول: ” مُستهلَك … مُستهلَك … بارد … بارد … بارد ”
كان بيكرّر الجُملة الغريبة دي، وقع على وشه فجأة وسط الثلوج، كأنه دمية بلاستيكية، وفجأة … زي ما وقع فجأة … وقف فجأة، فمه كان مليان ثلوج، كرّر نفس الجٌملة تاني، قال نفس الكلام الغريب اللي مالوش معني، بدأ يتحرّك ناحية بيته ببطء، قفلت الباب بسُرعة، كُنت خايف، وعقلي كان مليان أسئلة، إيه اللي بيحصل؟ هو ليه بيتصرّف بالطريقة دي؟ هو ليه …
فجأة، فهمت … الثلوج استهلكت الراجل دا، تمكنت منه … ودلوقتي … الدور علينا
فُقت من أفكاري على صوت باب بيتفتح، جريت ومسكت السكينة، كُنت فاكر إنه جاري وجايب معاه ثلوج عشان تسيطر عليّا، بس لقيتها هي، زوجتي، كانت فاتحة الباب الأمامي وعلى وشك تخرج، صرخت فيها: ” جين! جين! مينفعش تخرجي، التلج … التلج مُمكِن … ”
صرخت فيّا: ” اخرس شوية، أنا مش مُهتمة بكلامك المجنون دا يا جو ”
صرخت وأنا بجري عليها: ” لا! ”
حاولت أمسكها لكن الآوان كان فات، خرجت من البيت، الوقت إتأخّر أوي، شديتها من هدومها ورجعتها تاني البيت، كُنت حريص أوي إني أغمض عينيّا وأسد وداني، بس بمُجرّد ما خرجت عشان أرجعها، سمعتهم … سمعت أصوات، أصوات بتطلب مني حاجات مُرعبة، حاجات كلها عُنف وخيانة، الأفكار الشريرة بدأت تملى راسي، اقتلها، عُمرها ما حبتك في يوم، افتلها، بس أنا مش هسمَح للأصوات دي تسيطر عليّا، شديتها جوا البيت بقوة
قُلتلها: ” حبيبتي، مينفعش تخرجي برا! أرجوكي … ”
قبل ما أخلص جُملتي زقتني بقوة وهي بتجري على السلم طالعة أوضتها، كُنت غضبان، كُنت مجنون، اللي بيحصل دا خلاني أحس بغضب أقوى من أي غضب عُمري حسيت بيه طول حياتي، ساعتها سمعتهم تاني
[هي بتكرهك، هي مُتأكدة إنك بتكذب بخصوص إننا بنتلاعب بيك، عارف ليه؟]
هزيت راسي عشان أتخلّص منهم
[عشان الثلوج مسيطرة عليها، شُفت جارك! غالبًا هي كمان إتحولت زيه! روح إتطمّن عليها]
همست لنفسي: ” آه، لازم أتطمّن عليها ”
مسكت السكينة تاني وبدأت أطلع السلم، أنا مش خايف، أنا مش مُتردّد، الصوت دا بيريحني، بيدفيني
السلم عمل صوت تحتي وأنا طالع، مشيت ناحية باب أوضتها
[يلا ادخل]
” حاضر ”
زقيت الباب، لقيتها نايمة على سريرها، بتقرا واحدة من مجلاتها، مبصتش ناحيتي حتى، قالتلي باحتقار: ” جو، اطلع برا أوضتي، روح نام على الكنبة ”
قرّرت أجرب حاجة، قُلتلها: ” أنا آسف، أنا بحبك يا حبيبتي، أوعدك إني هاخد الدوا، أنا بحبك ”
عينيها إتملت دموع وهي بتقرّب مني، كان باين إنها فرحانة إني هرجع آخد الدوا تاني، حضنتني بقوة، بس حضنها كان بارد، مكانش مُريح، حسيت إني حاضن لوح تلج
[هي بتكذب، صدقني التلج مسيطر عليها، لازم تدمرها قبل ما يسيطر عليك إنت كمان]
مسكت السكينة، بدأت ترجع لورا وهي بتقول: ” جو؟ إيه اللي بيحصل؟ ”
صرخت فيها: ” اخرج من جوا زوجتي يا وغد ”
السكنة غرست في جسمها بسهولة، محاولتش تقاومني، حسيت بإحساس راحة غريب بيتملّك مني
[عظيم، شوفها بقي كدا]
بدأت أشق جسمها بالطول، أكيد الوحش الشرير مُختبئ جواها، مفيش حاجة! يمكن جوا مُخها؟ كسرت جُمجمتها وبرضه مفيش حاجة، أكيد هرب … أكيد
سمعت صوت الأولاد في أوضتهم، كانوا بيتكلموا مع بعض وبيضحكوا
[أكيد هو جواهم دلوقتي، لازم تلاقيه]
لازم أخلّص عليهم قبل ما يخلصوا عليّا، فتحت الباب وأول ما شافوني وشافوا الدم اللي مالي هدومي والسكينة في إيدي، حاولوا يهربوا من الشباك، واحد منهم كان بيكلّم حد في التليفون
[صدقتني بقي، عرفت إنه تمكّن منهم هُمّا كمان، هيهربوا منك! لازم … لازم تخلّص عليهم]
مسكت السكينة وأنا بطعن الولد الكبير، وبعدها طعنت الصُغيّر، صرخت فيهم: ” كان لازم أعمل كدا من زمان ”
بدأت أعيّط فوق جُثثتهم، أنا السبب في كُل دا، أنا اللي سمحت للثلوج تتملّك منهم، أنا اللي سمحت لهم يبقوا وحوش، أديهم ماتوا، بسببي أنا
سمعت صوت خبط على الباب
دول هنا؟!
دخلت أوضتي وقفلت الباب، سمعت الصوت مرة تانية
[اكتب جواب قولهم فيه انك برئ، لازم يعرفوا حقيقة الثلوج]
عشان كدا أنا بكتب لكم دا دلوقتي، عشان تعرفوا الحقيقة
الوحش تملّك مني أنا كمان، لازم أتخلّص منه
سلام دلوقتي)

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading