العاصمة

لا مساس

0

      بقلم / سميرة داود

كعاداتها ، دائما ما كانت ترصد لقطات ومشاهد من سينما الحياة غير مرئية أحيانا ، وتفاصيل شخوص ترقبها بدقة عن كثب ، تتقد الأفكار بمخيلتها إلى حد التنابذ والتشابك حينا ، والتطابق حينا آخر . وبينما هى غارقة في فض هذا الاشتباك من تضاد الأفكار ، تنتفض على حين غرة وتلتقط القلم تسارع وتخط بأناملها ، وتنثر حروف وكلمات عما يجول بخاطرها من مفارقات الحياة .

لم تعي أو تدرك ذات يوم او يطرأ على بالها ، أن القدر بابداعاته وقدراته اللامتناهية يجهز ويرسم لنا لوحة سوريالية لليالي طويلة ساكنة محيرة ، تفوق إبداع وخيال أشهر فناني هذا العصر . لوحة أحادية اللون مشربة بالحمرة مزخرفة بشعار ” لا مساس ” . دراما حياتية بمشاهد وافعال يصعب الاعتياد عليها .

نركض في الطرقات وحيدين متباعدين ، نشم أريج الزهر ، وباعيننا نحضن اخضرار الشجر ، ” ولا مساس “.

نطبع بالقلب قبلة على وجنتي طفل رضيع ، نرمق حركاته وبسمه شفاهه ” ولا مساس “. نبضات قلب ام ولهفتها على وحيدها الراقد في السرير ،”ولا مساس”.

مريض مسن يتكىء على عكاز يسير ببطء في الدروب يلتمس المعونة ، ” ولا مساس “. باعة متجولين يدنون رويدا رويدا من زجاج سيارتك ، وبإدراك وحس انساني ترغب بإمداد يد المساعدة ، إبان ذلك ودون أن تعي وبحركة لا إرادية تغلق نافذة عربتك مع صوت يعلو ويصرخ آت من الاعماق يذكرك بأنه ،” لا مساس “.

عالم قديم ينصهر تدريجياً ويتشكل عالم آخر جديد بمنظومات وسياسات مختلفة، عادات اجتماعية وقيم إنسانية لم ندركها بعد . نبث من خلال شاشة حديدية افتراضية تذكرنا دائما بشعار ” لامساس “

اترك رد

آخر الأخبار