العاصمة

لا تُسمِّم حياتك

0
إيمان العادلى
كان “ليو تولستوي” – الفيلسوف الروسي الكبير – في خلال العشرين سنة الأخيرة من حياته أخلقَ رجال العالم
بالتقدير والإحترام، كما تقول دائرة المعارف البريطانية. كان المعجبون به يحجّون إلى بيته في سيْل لا ينتهي ليتملَّوا
بطلعته، ويشنِّفوا آذانهم بصوته.. كانت كل كلمة تخرج من فمه تُدوَّن في الصحائف، كما لو كانت نبوءة رسول.
هكذا كانت حياته العامة. أما حياته الخاصة فإنّ تصرفاته وهو شيخ في السبعين كانت أشد حمقاً من تصرفات
صبي في السابعة!!
تزوج “تولستوي” من فتاة أحبها. وسعد الزوجان في بداية أمرهما، إلا أنّ الزوجة كانت غيوراً بطبعها، حتى إنها اعتادت التخفِّي في زي الفلاحات والتجسُّس على زوجها. وتفاقمت على مَرّ الأيام غَيْرَتُها، فإذا هي تغار على زوجها من بناتها!! وأمسكت مرَّةً بندقية وأحدثت بها ثقباً في صورة ابنتها بدوافع الغيْرة!!
فما الذي فعله رجلها رداً على هذا؟ أنشأ يكتب مذكرات يلوم فيها زوجته ويحمِّلها تبعة الشقاق الذي يغمر بيته.

إنه أراد أن تنصفه الأجيال القادمة وتصب اللوم كلَّه على زوجته، ولذلك عكف على الكتابة ضدها.

فماذا تُرى فعلت زوجته رداً على ذلك؟ مزَّقت جانباً كبيراً من هذه المذكرات وأحرقته، ثم أخذت تكتب مذكِّرات أخرى تردُّ على زوجها، وتكيل له الصاع صاعيْن، بل إنها كتبت في ذلك قصة بعنوان: “غلطة مَنْ؟!”.
ما دوافع هذا كله؟ ولماذا أحال هذان الزوجان منزلهما إلى ما يشبه مستشفى المجانين؟ إنّ هناك سبباً أصيلاً لهذا البلاء؛ هو رغبة الزوجين كليهما في التأثير علينا نحن الأجيال التالية.
لقد أراد كلٌ منهما أن ننصفه، وأن نسخط على صاحبه. فهل تظن أحداً منا يهتم: أيهما كان المصيب، وأيهما كان المخطئ؟ كلا، فأنا وأنت مشغولان بشؤوننا الخاصة، ولسنا نملك أن نضيِّع دقيقة واحدة في آل “تولستوي” الكرام.
فيا له من ثمن فادح دفعه هذان الزوجان! لقد قضيا خمسين عاماً في جحيم مقيم، دون أن يُلهَم أحدُهما قولة “كفى”، ودون أن يفطن أحدهما إلى وجوب تقدير الأشياء بقيمتها الحقيقية في قول لشريكه: دعنا نضع حداً لهذه الحال في التوِّ واللحظة إننا نُسمِّم حياتنا من أجل توافه لا قيمة لها
من كتاب “جدد حياتك”
د.طارق الرافعي

اترك رد

آخر الأخبار