لواء دكتور/ سمير فرج مسلسل الاختيار، الجاري عرضه في شهر رمضان، الحالي، يعتبر من أهم، وأعظم، المسلسلات التي يتابعها الشعب المصري، والعربي، والذي يروي بعض من تفاصيل قصة بطولة العقيد أركان حرب أحمد المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة، والتي انتهت باستشهاده، في كمين مربع البرث، بمدينة رفح المصرية، عام 2017، ويقارنها بخيانة، وخسة، الضابط، السابق، هشام العشماوي، الذي باع وطنه، وشعبه، ولم يفلت من جزائه على يد القوات المصرية، التي نفذت فيه حكم الإعدام، في مطلع مارس من العام الجاري، بعد إلقاء القبض عليه في ليبيا.
يقف وراء النجاح الباهر، لهذا العمل الدرامي، عدة عوامل، لعل من أهمها حسن اختيار الفنانين الذين جسدوا شخصيات العمل، بدءاً من أمير كرارة، الذي كان خير مثل لضابط الصاعقة المصري، شكلاً وموضوعاً، الذي أبدع في إظهار تفاصيل الشخصية، دون تكلف، وسيخلد، هذا الدور، اسمه في تاريخ الفن المصري. كما برع أحمد العوضي في دور الإرهابي هشام العشماوي، حتى كرهه الشعب المصري، في دليل على نجاحه في تجسيد الشخصية، لتكون بوابته لعالم النجومية، كما برع الفنان أحمد فؤاد سليم، والفنانة ناهد رشدي في أداء دور والدي الشهيد أحمد المنسي، بتلقائية عظيمة، عكست دورهما الوطني في حياته، كذلك سارة عادل التي جسدت، ببراعة منقطعة النظير، دور زوجة أحمد المنسي، فنالت تقدير الشعب المصري، وزوجات ضباط القوات المسلحة والشرطة، لإبرازها دورهن الجليل، وتضحياتهن الحقيقة، في مساندة أزواجهن. وفي المقابل برع جميع الفنانون المؤدون لأدوار عائلة الخائن هشام العشماوي، في تجسيد شخصياتهم، وتوضيح جوانب التشدد الفكري فيها.
أما السيدة ماجدة منير التي قدمت دور السيدة السيناوية، والدة التكفيري، فرغم قصر مشاهد دورها، إلا أنها قدمتها بإتقان، أوضح معاناتها، وتخبطها، كما جسد ضياء عبد الحق دور الإرهابي أبو عبد الله، وجسد أحمد الرافعي دور الإرهابي عمر رفاعي سرور ببراعة فائقة، أوضحت للمواطن العادي، آليات التكفيرين في ضم عناصر جديدة لصفوفهم، وكيفية متاجرتهم بالدين، لتحقيق مصالحهم. برع كذلك ماجد المصري في دور قائد الصاعقة، ولم يقل عنه إتقاناً لدور قائد كتيبة الصاعقة الفنان أحمد وفيق، وكل من أدوا أدوار الضباط والمجندين، حتى شعرت أنني أتابع أحداث حقيقية، وليست مصورة، مثل محمود حافظ الذي أدى دور سعد الفلاح المصري الأصيل، الذي تميزه الشهامة، والفطنة. والحقيقة أنني في حيرة من أمري، فلن تفي كلماتي جميع فريق العمل حقهم، مهما أطلت فيها، وأخشى أن يظن أحدهم أنني لم ألتفت لدوره، مهما قصر، مثل العملاقة إنعام سالوسة، وكبار الفنانين، الذين شاركوا كضيوف شرف، فكان شرف لهم أن يكونوا جزءاً من هذا العمل الكبير.
إلا أن الصفحات لن تكفي للإشادة بكل منهم، فأردت أن أشكرهم جميعاً، وأنا على يقين أنهم لمسوا، بالفعل، تقدير عموم الشعب، والمتخصصين من النقاد، لأدوارهم، منذ بداية عرض العمل، لكن يهمني إلقاء الضوء على احترافية المؤلف باهر دويدار، الذي بذل جهداً في جمع المادة العلمية، والحقائق من الجهات الأمنية، ليربطها مع الخط الدرامي للمسلسل، وكيف انعكس عشقه للمسلسل على كل أحداثه، المليئة بالتشويق، كما أبدع في صياغة تفاصيل حياة جميع الشخصيات، خاصة الضباط والجنود، في سيناء، بمنهى الواقعية، فكان البطل الحقيقي لهذا العمل. أما المخرج بيتر ميمي، فشعرت بالفخر لوجود مخرج مصري محترف، ليس، فقط، في إخراج الجزء الفني، وإنما، أيضاً، في إخراج الجزء العسكري، سواء في التدريبات، أو المعارك الحربية، أما تامر مرسي، وشركة سينرجي، فسيحسب له شجاعته لإنتاج هذا العمل الضخم، الذي قد يتردد غيره في تمويل تنفيذه.
ومن وجهة نظري، فالمعادلة الصعبة في هذا المسلسل، كانت الفكر المتطور للمخابرات المصرية، بالسماح، ولأول مرة، بإظهار الرأي، والرأي الآخر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفكر المتطرف، بما مكن المشاهد المصري من التعرف، على زيف هذا الفكر التكفيري، المتستر برداء الدين. كما قدمت المخابرات المصرية التاريخ الموثق، لكل العمليات التي نفذها الإرهاب ضد قواتنا، كما استطاع الشارع المصري أن يتعرف، عن قرب، على طبيعة الأحداث في سيناء، وما يبذله أبناء القوات المسلحة، والشرطة، من جهد، وما يقدمونه من تضحيات، حتى بأرواحهم، لينعم الشعب بالأمان والسلام. فلولا الدور المحوري لإدارة المخابرات، وإتاحتها للمعلومات، لما نجح هذا المسلسل في الوصول لوجدان الشعب المصري، والعربي.
يلي ذلك الدور الرئيسي لإدارة الشئون المعنوية، بقيادة اللواء أحمد خليفة، في إنجاح هذا العمل، حيث قدم هو ورجاله سيمفونية رائعة، لتخرج التفاصيل العسكرية لهذا المسلسل، في منتهى الدقة، والواقعية، عن طريق تشكيل مجموعة متخصصة للإشراف على المسلسل، معنية بجمع المعلومات من المخابرات، والتدقيق في الملابس والأسلحة والمعدات المستخدمة، واعتماد أسلوب التدريب، والعمليات العسكرية، كما تولت الإشراف على الذخائر والمتفجرات، وتنظيم مواقع التصوير، فتجانست جميع أركان العمل، بفضل مجموعات إدارة الشئون المعنوية، التي يحسب في تاريخها، المساهمة في تقديم مثل هذا العمل الرائع للشعب المصري والعربي.
والأهم من ذلك، أن الشعب المصري، والعربي، تعرف، لأول مرة، على طبيعة القتال، في سيناء، مع أولئك الإرهابيين، وفهم الشارع المصري معني مصطلح “كمين”، وعرف كيف أن الجيش المصري يحارب عدو خسيس، من خلال مشاهد حادثة رفح الأولى، عندما استشهد أبناءنا المجندين، لحظة إفطار رمضان، على يد التكفيريين. كما أجاب المسلسل على سؤال الجندي لقائده “هو فيه حد حاسس باللي فينا يا فندم”، بأن رفض جموع الشعب المصري، والعربي، للعملية الإرهابية الخسيسة ببئر العبد، بعد أيام من بداية عرض المسلسل، خير دليل على تقديرهم لما يقدمه هؤلاء الأبطال في حربهم ضد الإرهابيين.
وهكذا أصبح هذا المسلسل عملاً تاريخياً، أتمنى أن تضيف عليه إدارة الشئون المعنوية، المزيد من هذه الأعمال مستقبلاً، لما لها من عظيم الأثر على الشارع المصري، خاصة شبابنا، في ظل امتلاء سجلاتنا بالآلاف من البطولات المماثلة لبطولة الأسطورة منسي، التي يستحق الشعب المصري التعرف عليها أبطالها الذين ضحوا بأرواحهم لتحيا مصر.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.