لقد أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم معجزة باقية على النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة واصطفاء اللغة العربية لغة معجزة للقرآن الكريم تحديا للعرب فيما برعوا فيه كباقى الأمم السابقة الذين أرسل الله تعالى إليهم رسله بمعجزاته التى كانت مما برع فيه قوم النبي المرسل إليهم إمعانا في التحدى وتأييدا لمن أرسل إليهم
ولأن اللغة هى خزانة الفكىر الإنساني ،.فإن خزائن اللغة العربية قد أظهرت من نفيس البيان الصحيح عن الفكر الإنساني وعن لنفوس الإنسانية ما يعجز سائر اللغات ،لانها صفيت منذ الجاهلية الأولى المعرفة في القدم من نفوس مختارة بريئة من الحسائس المزرية ومن العلل الغالبة حتى إذا جاء إسماعيل عليه السلام نبي الله بن إبراهيم الخليل أخذها وزادها نصاعة وبراعة وكرما وأسلمها إلى أبنائه من العربوهم على الحنيفية السمحة دين أبيهم إبراهيم عليه السلام فظلت تنحدر على ألسنتهم مختارة مصفاة مبرأة حتى أظل زمان نبي لا ينطق عن الهوى محمد بن عبد الله فأنزل الله تعالى بها كتابه بلسان عربي مبين بلا رمز على الخرافات والأوهام ولا ادعاء لما لم يكن ولا نسبة كذب إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا
من كتاب أباطيل وأسمار للعلامة محمود محمد شاكر
وقد كانت العرب أمراء البيان وملوك الفصاحة يوم نزل القرآن الكريم يتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله ولم يكتف ببيان عجزهم عن الإتيان بمثله في الحال بل صرح بفضح عجزهم عن ذلك على التأييد وجعل عجزهم -وهم كانوا من الفصاحة حيث كانوا- دليلاً على أن هذا الكتاب ليس في مقدور بشر ولو كان في مقدور بشر لأتوا بمثله وما مسهم من لغوب
فقال تعالى
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) سورة البقرة
(٢٣’٢٤)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى
شرع تعالى في تقريره النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو (فإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) يعنى محمد صلى الله عليه وسلم (فأتوا بسورة من مثله) من مثل ما جاء به واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله فإنكم لا تستطيعون ذلك
وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن الكريم
١-القصص( ٤٩)
(قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين)
٢- سورة الإسراء (٨٨)
(قل لإن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)
٣- سورة هود (١٣)
( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين )
٤- سورة يونس (٣٧-٣٨)
( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)
وكل هذه الآيات الكريمة مكية ثم تحداهم بذلك أيضاً في المدينة ومكة من قبل مرات عديدة مع شدة عداوتهم له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعضهم لدينه ومع هذا عجزوا عن التحدى
ولهذا قال تعالى
( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)
النفى في الماضي لم وفي المستقبل لن
أى ولن تفعلوا ذلك أبدا وهذه أيضا معجزة أخرى وهى أنه أخبر خيرا جازما قاطعاً مقدماً غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبدآ وكذلك وقع الأمر لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن وأنى يتأتى ذلك لأحد والقرآن الكريم كلام الله خالق كل شيء وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين ؟!!!
ولم يكن هذا القرآن الذي تحداهم به مؤلفا منغير حروف لغتهم التى رضعوا لبانها صغاراً وارتاضوا أنفسهم على آدابها- شعرا ونثرا -كبارا
وقد ذكر الله تبارك وتعالى فى مطلع سور من كتابه حروفا مقطعة( للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف وهى فى متناول المخاطبين به من العرب ولكنه مع هذا هو الكتاب المعجز الذى لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله )
الكتاب الذي يتحداهم مرة ومرة ومرة أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله فلا يملكون لهذا التحدى جواباً
والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن خلق الله جميعا وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس
هذا ما دفعنى لاختيار موضوعى حول فضل اللغة العربية ووجوب تعلمها لإدراك معانيها توصلا لفهم مراد الله تعالى في كتابه بلسان عربي مبين
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى حول إعجاز اللغة العربية وسر اختيار القرآن الكريم بلسان عربي مبين