العاصمة

فاطمة ناعوت تكتب ” غدًا … أصيرُ ملاكًا

0

غدًا … أصيرُ ملاكًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين أمضي
إلى حيث يمضي الماضونَ
ولا يعودون

سيقولُ الناسُ لأطفالي:
أمُّكم
صارتْ ملاكًا
فكُفّوا عن البكاءْ

فيرفعُ الأطفالُ عيونَهم
نحوَ السماءِ
وينتظرون
أن يلمحوا طرفَ جناحيَّ.

***

حينما أصيرُ ملاكًا
سيكون بوسعي
أن أرتِّبَ الأشياءَ
على نحوٍ أفضل

عند الفجر
سأسرقُ من الغَيم
نُدَفًا من الجليد
بحجم قبضةِ اليد
وأتسلَّلُ
إلى حيثُ
بيوتِ الأمهاتِ الكسيرات
وأمسحُ قلوبَهنَّ بالصقيع
حتى يخِفَّ الوجعُ
وأخبرهنَّ
أنني أحملُ في حقيبتي
رسائلَ أبنائِهن
إليهُنَّ.

***

حين أصيرُ ملاكًا
سأجمعُ في سلَّتي
من رياضِ الجنّة
عنبًا
وتينًا
وحليبًا
وأطعمُ أطفالَ الحيّ الجوعانين

وأنزعُ
من تربة الفردوس
فسائلَ تمرٍ
وزيتون
لأغرسَها
في حقول الفلاحين الفقراء
حتى تنموَ
قبل مواسمِ الحصاد
في حقولِ الأغنياء.

***

حين أغدو ملاكًا
سأستلُّ من وهج الشمس
حزمةً من الأشعّة
أُدفئُ بها البردانين
في طرقاتِ الغُربة

وأنشرُ جناحيَّ
مِظلاّتٍ وارفاتٍ
فوق هاماتِ الكادحين
في هجيرِ الصحارى.

***

حين أغدو ملاكًا
سأمُرُّ كلَّ ليلةٍ
على قلوبِ القُساة
وأنزعُ
من كلِّ قلبٍ غليطٍ
شوكةَ البغضاءِ المُرَّة

أجمعُها في سلّتي
وألقي بها في جوفِ المحيط
لكي يُطهِّرَها المِلحُ
ويُغلِّفَها الفوسفورُ
فتصيرُ لآلئ
مُشرقاتٍ
من غير سوء
تُعلِّقها النساءُ في نحورِهن
جمالاً
ورحمةً.

***

حين أغدو ملاكًا
سأنثرُ في الأنهارِ والجداول
حروفًا طيباتٍ
من كلماتِ الله
لكي تصعدَ مع الأمطار
وتنزلُ على هاماتِ الخائفين
بردًا
وسلامًا.

***
حين أصيرُ
في الغدِ القريبِ
ملاكًا
سوف أتسلَّلُ في الليل
وأمسحُ دموع الحزانى
والمحرومين
وأخبرهم
أنَّ الحزنَ نبلٌ
وأنَّ الحرمانَ فضيلةٌ
ولا أتركهم
عند الفجر
إلا والفرحُ
يكسو الوجوه الواجمة.

***

حين أصيرُ ملاكًا
في فردوس الله
سأقطفُ من شجرة الموسيقى
اسطوانةً عذبةً
أعطيها لأبي
وأخبره أنها
هديةُ أمّي

وأجدلُ
من أصدافِ البحار الملونة
عقدًا
وسوارًا
وأقولُ لأمّي
إنها هديةٌ
من أبي

وعند المساء
أجلسُ بينهما
وأشيرُ
إلى مكامن الوجع في قلبي
حتى أبرأَ
وأنعمَ برغد حبّهما
من جديد.

***

وحين أصيرُ ملاكًا
سأهبطُ ذاتَ مساء
أنزعُ من جسد طفلي
زهرةً التوحّد
وأنثرُ الكلماتِ على لسانه
حتى يصيرَ الصمتُ
أشعارًا
قصائدَ.

***

حين أصيرُ ملاكًا
سوف أمسحُ على جبينِ حبيبي
الذي يحملُ كلَّ نهارٍ
زهرةً إلى ضريحي
وأقولُ له:
عِشْ ألفَ عام
يا أنبلَ الرجالْ
حتى يصيرَ أولادُنا
أجدادًا
لأجدادٍ

وأنا
ها هنا
في انتظارِك
بفستان العُرس
لا أَمَلُّ
فتأخَّرْ
ما شاءَ لك التأخُّرُ
ولا تتعجَّلِ المجيءَ إليَّ
لأن يومًا
أعيشُه عند عرشِ الرحمن
بألف سنةٍ
مما تعدّون.

***

اترك رد

آخر الأخبار