العاصمة

غرفة تغسيل الموتى ….إيمان العادلى

0

إيمان العادلى

غرفة تَغسيل الموتى واللي بيشتغل فيها محتاجين لدراسة, نتيجة للحاجات الغَريبة

اللي بتحصل جواها, زي حركات الجُثث فوق ترابيزة الغَسيل, وبعض التشنُجات

اللي بتطلع من صِدرهم, وحاجات تانيه كتير بتستدعي إن اللي بيشتغل فيها يكون

قَلبه مَيت, يعني مثلاَ في مَرة من المرات,
جاتلي جُثة وَلد مُشتبه فيه إنه مات

مُنتحر, وأهله كانوا مُصممين أغسله علشان يدِفِن. نقلته على الترابيزة لحد أوضة

التَغسيل, وقفَلت الباب وبدأت أشتغل لوحدي.

رقَبته كانت زارقة جداً ووشه مكَشر ومضايق أوي, دلقت عَليه الماية والصابون

وبدأت أشتغل, بس كان بيُخرُج مِنهُ أصوات مُرعبة وغَريبة, كنت كل شوية

أوقف وأبص عَليه وأرجع أكَمِل. روحت أجيب حاجة ولما رجعت تاني لاقيت

عينيه مفتَحة, حَقيقي لأول مَرة أخاف, مَديت إيدي براحة علشان أقفلها, وأنا قَلبي

بيدق, قَربت واحدة واحدة بهدوء, لحد ما لمست عينيه كانت دافيه وقفلتها, وسحبت إيدي.

كان فاضل حاجات بَسيطَه وأخلص, فروحت أشرب لأني يومها كان حَر وفي

عِز الصيف, وبَصيت عَليه من بعيد,
الإزازة وقعت مني علشان لاقيته قاعد,

روحتله وأنا رجلي بتترعش, بصيتله وكنت مستَنيه في أي لَحظة يقوم ويتحَرك, كنت

حاسس فعلاً إني روحه رجعتلُه تاني, أكيد في حاجة غَلط, بَصيت عَلى صِدره مكانش

بيتنفس, وعينه مكانتش مَفتوحة, عدا عَليا شوية وقت وأنا بتأمل فيه ولما لاقيته

متحَرَكش تاني, مسكته ورجعته لورا بهدوء تدريجيًا, لحد ما نيمته تاني

وأطمنت شوية, أكتر حاجة كانت مخوفاني مِنه الحَقيقة جسمه, لأنه طويل

وعَريض وضَخم, وملامحه ناشفة.
خَلَصت بَعد شوية, وسلمته لأهلُه علشان

يحطوه جوه الصَندوق, وشكرت ربنا إني كل حاجة عَدت عَلى خير.

مِن الجُثث اللي جاتلي برضة ومش قادر أنساها لحَد النهاردة, طِفل عَنده حوالي

عَشر سنين, والده جيه يقومه الصُبح علشان يروح المَدرسَة لكنه مَردش عَليه,

حاول يفوقه وأكتشف إنه مات. كنا ساعتها في الشتاء, واحترامًا للموتى, ضروري

أسخن المياه اللي هغسلهم بيها, علشان متبقاش مِتَلجة عَليهم, والده حاطه فوق

الترابيزة ورفض يخرُج, وطَلب مني يحضر التَغسيل وهو بيبكي بدموع ملهاش نهاية,

مَقدرتش أرفض, وأخدت الماية بعد ما سخنت وحطيتها عَليه علشان أبدأ في

مُهمتي,
والده كان بعيد شوية وموقفش عياط, فمخدش باله مِن اللي حَصَل, لما دلقت

الماية عَلى جسمه لاقيته أتهز جامد وبوقه أتفتح وملامح وشه أتغيرت بعد ما كان

مُبتسم أضايق, أدركت إن في حاجة غَلط بتِحصَل, وعرفت ساعتها إن الماية كانت

سُخنة جداً, إزاي مخدتش بالي ؟ مش عارف, زودتها شوية ورجعتله تاني,

والحمدلله ملامحه رجعت زَي الأول, حَقيقي كان مَلاك, وبغَض النَظَر عن اللي

حَصَل بس وشه جَميل, يلا ربنا يرحمه. وبعد ما أنتهيت سلمته لوالده اللي مبطَلش

عياط, كُنت حَزين أوي لأول مَرة أشوف راجل في سنه بيعيط بالشَكل ده.

الجُثة اللي هقولكم عَليها دلوقتي حَقيقي مقدرتش أنساها لحَد اللحظة دي, وبتمنى

يجيلي زهايمر أو حتى أموت علشان اللي حَصل بسببها مَعلِم في راسي. سنة 2003

فيه ساحر شَهير كان في مَصر والكُل بيتكلم عَليه وعلى قوته في السحر

والروحانيات, وتقريبًا الكُل كان بينتظر أخباره بشَغَف, وفي يوم الكُل صحي

والجرايد كتَبت عن وفاته الغامضة في مَكتبه, كُنت ساعتها بشتَغَل في مَشرحة

حكومية مش هقدر أعلن عَنها, وجَتلنا جُثة الساحر علشان يتم تشريحها وبعدها

تتغَسِل وتدفن, عدا تلات أيام, أتشرحت فيهم والتَقرير أتكتب وأتبعت, وأخدنا

الموافقة على الدافن, وطبيعي أنا اللي هغسلُه علشان مكَنش فيه غيري. كنا في

الشتاء, كُل العُمال في المَشرحة مشيوا مكانش فاضل غير أتنين دكاترة هيستلموا

مني الجُثة بعد ما أخلص, والشوارع مفهاش نَفَس واحد.

أخدت الساحر ودخَلنا الأوضة, حَطيته فوق الترابيزة, وجبت المايه وقمت

بمُهمتي الصَعبة, محصلش حاجة غَريبة, تقريبًا لحد ما خلصت, لاقيت ترابيزة بتُقع

لوحدها ورايا, روحتلها وعدلتها, بس لما رجعت مَلقتش الساحر, أيوه بتكلم جَد

اختفى, بصيت على الباب كان مقفول, وحسيت وقتها بَحد بيتنَفس ورا ظهري,

لفيت جسمي بالراحة بس مَلقتش حاجة, رجعت تاني للترابيزة, والحمدلله لاقيت

الساحر,
بس كان مفتح عينيه, ومبرق جداً, جسمه كان نَحيف, وقصير وشَعر راسه كان كُله

أبيض رغم إن سِنه مكنش كبير للدرجة دي, بس الحاجة اللي موتته كانت كفيلة

بأن قَلبه يوقف وشعره يبيض, أسمحولي مِش هَقدر أعلن عَنها علشان ممكن يحصلي

مُشكلة من الجهة اللي كُنت بشتَغَل فيها,
لأن سبب الوفاة فِضِل غامض للكُل معادا

أنا والدكاترة اللي عرفت مِنهم. المهم مسكت عينه وقفلتها, ووقتها خَرجت منه

صرخة قَوية, رجعتني لورا ووقعت, قُمت بسُرعة وأنا مرعوب وخايف, لاقيته رافع

رجله اليمين لفوق, وبوقه زي ما يكون بيتكلم بس ببطء شديد, فضلت واقف في

مكاني مش قادر أعمل حاجة لمُدة نُص ساعة كاملة, لحد ما الساحر رجع طَبيعي

تاني وكُل حاجة هديت. رجعت تاني وحطيت على الجُزء اللي فاضل من جسمه

الماية وأنا بدعي ربنا كُل حاجة تعَدي على خير, وبعد ما خَلصت خااالص, فتحت

الباب وايدي بتترعش, سمعت صوت الترابيزة من ورايا حاجة بتتحرك عَليها, لما

بصيت لاقيت جُثة الساحر, قاعدة وبصالي بعيون مبرقة, وكنت حاسس إنه هيقوم

ويموتني, مقدرتش أتمالك نَفسي, جريت وأنا بصرُخ بعلو صوتي وبنده على

الداكاترة, واحد مِنهم جالي وقالي
-مالك يا رمضان في إيه ؟

لساني كان عاجز عَن النُطق, فشاورتله على أوضة التَغسيل, سابني وراح, فتح الباب

ودخَل, ومخرجش, عدا وقت عَليه ومالهوش نَفَس, فقررت أروح اشوف في

إيه, فتحت الباب بالراحة ودخَلت لاقيت الدكتور بيكمل بَقيت شُغلي وبيقولي:

-إيه يا رمضان مش تخَلص الدنيا بَره مقلوبة, تصدق هَتخليني أندم إني

حكيتلك الراجل ده مات إزاي.
مردتش عَليه, ولما بصيت عَلى الجُثة كانت

نايمة على الترابيزة ومافيش أي حاجة غَريبة…..

الجُثة أتنقلت وأتدفنت وأنا كُنت مُستاء من اللي حَصَل ومكنتش عايز أكمل في

شُغلي, بس الأيام اللي عَدت بَعد كده كانت طبيعية مافيش فيها حاجة غَريبة, لحد ما

جت الذكرى اللي غَسِلت فيها الساحر, وأوضة التَغسيل كانت بتحصل فيها

حاجات فعلاً غير مَنطقية, وفي كُل سنة وقت دخول الساحر هنا, المكان كُله

بيتقلب بشكل عام, علشان كده قَررت أمشي وأشتغل لوحدي.

ختامًا, أي حَد في شُغلانتي عارف كويس أن طَبيعي الجُثث تتحَرك أو تصدر أصوات

وتشنُجات وقت التَغسيل, بس لو الموضوع معاكم بقى سيء زي اللي حَصَلي ضروري

جداً لازم تمشوا وتسيبو المكان

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading