كتب/ريم ناصر
لقد خلق الله الإنسان في أحسن صورة فكرمه ونعمه وفضله عن سائر المخلوقات
بجمال هيئته وبديع تركيبه , وزينه بنعمة العقل حتى يتدبر ويتفكر في مكنون
اوخالقه وعظمته وإسباغ نعمه عليه .
فبنظرة ذاتية وأنانية متفحصة في قدرة الله تعالى في خلقه لحشرة مثل (النملة)
بدقتها وصغر حجمها المتناهي – ولماذا سميت بهذا الاسم؟
سميت بهذا الاسم (لتنملها) أي كثرة حركتها وعدم استقرارها في مكان واحد
ورغم ذلك الكثير منا لا يتعلم من الحشرات التي فضلنا الله عليها بكثيراً من
الآلاء ويأخذ منها العبرة والعظة .
فما أشبه المجتمع بخلية النحل فكل نحلة بتقوم بعملها على أكمل وجه لتحافظ على
حياتها وحياة الخلية , كامتصاص الرحيق والحراسة أو بناء الخلية وكذلك المجتمع
لكل فرد فيه عملاً منوط به – فهذا زارع في حقله وذاك صانع في مصنعه وغيرهما
المهندس والمدرس والضابط والطبيب والجندي إلخ….
فحياة الوطن في حاجة لكل هؤلاء وإلى كثيراً من الجد و الاجتهاد والعمل الدؤوب من كل فرداً فيه فأن قام كلاً بعمله على خير وجه نهض وتقدم وأن تقاعس وتكاسل تهاوى وتخلف عن ركب الحضارة والازدهار .
أن ثروة الوطن من ثروات أبنائه وثروة الفرد نتيجة شقاؤه في عمله ,فالعمل تدعيم لثروة الوطن وأن قوة الوطن من قوة أبنائه وقوة الفرد تتمثل في اخلاصه وإتقانه وتفانيه في العمل
وحصيلة انتاجه العماد لعزته وكرامته (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )
وفي اهمال الفرد لعمله انتقاصاً لخير الوطن وتعويقاً لتقدمه ورفعته فإذا كثرت البطالة كثر العاطلون وضعف الإنتاج وأنتشر الفقر ونبتت بذور الجريمة وتعرضت حياة الوطن للفوضى و الاضطراب والمخاطر , ولنا في كثير من الدول والبلدان من حولنا الأسوة والنبراس الملموس والمحسوس والمرئي برؤية العين تطالعنا أخبارهم يومياً تهز كياننا من الداخل وتدمي قلوبنا على قلاع صناعية وامبراطوريات وممالك وجمهوريات تهاوت وتهدمت .
فالسعي لنصرة الوطن من الجهاد وأحب الأشياء إلى الله (العبادة) والعمل عبادة – العمل أمانة – العمل شرف – العمل واجب .
فيجب على كلاً منا أن يقدح زناد فكره ويعمل بجد واجتهاد من خلال العمل المكلف به ويحض أقرانه من الذين يعملون معه من المقصرين بالتفانً و الإخلاص والإتقان في عملهم لأنها من الأشياء المقربة لله سبحانه وتعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) والدين الإسلامي الحنيف قدر العمل وعظمه ورفع شأن العاملين إلى أبعد مدى ولقد كان رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه خير مثال للعامل الكادح في (رعي الغنم)
وأن نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده –فالعمل صفة من صفات الأحياء , فأنك لا ترى شخصاً (قضى نحبه ) يعمل , فالعمل المثمر يعود على الإنسان وعلى وطنه بالنفع والخير الجزيل فهو كنزاً لا يفنى ولا يضيع .
فالحياة فرصة اذا مضت من غير كد وتعب وكلل لا تعوض ولقد قال عز وجل (ولقد خلقنا الإنسان في كبد) أي في تعب ومشقة لعمارة الأرض بالعمل فيها ليل نهار وذلل لنا فيها سبل العيش .
فلا تتخذا يا أخوتي وأخواتي الشباب والفتيات من الفراغ ومضيعة الوقت درباً تسلكونه ,فأن وقت الفراغ لابد وأن يشغل بالعمل فأنه اذا مضى فلن يعود (فالوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك)
وكذلك الصحة فأغتنم صحتك وشبابك في عملاً نافعاً مفيداً يعود عليك وعلى الوطن بالنماء والخيرات فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يدركه إلا المرضى فأكتنز شبابك قبل هرمك .
فإذا كنت صحيحاً معافياً قم بواجبك وعملك على أحسن وجه ولا تساوي نفسك (المتقاعسة) بإنسان عليل أقعده المرض فليس على المريض حرج إن لم يعمل أما أنت فأعمل في شبابك وعنفوانه بكل قوة وأدخر مما جنيته اليوم للغد , فأنت لا تعلم ماذا سيكون مستقبلاً, فالعاقل من يغتنم فرصة الفراغ ويبدله عملاً لأنه نعمة لا تدوم , وأحمد الله على نعمة العمل والصحة والعافية وحاول أن تستفيد منها قدر أستطاعك بخالص الأعمال لله ولوطنك ولك ولأسرتك .
فالأحمق الذي يبكي على اللبن المسكوب والفرص التي ضيعها بحماقته ( تطرق الفرصة بابك اذا كان لك أذن تسمعها وعين تراها ويد تمسك بها )
بالعمل تسعد في حياتك وتسعد الآخرين وتساهم في تحقيق العدل ونشر الامان , فلا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .
فالحياة هي موسم الحصاد وكل تفريط في لحظة منه ضياع لأثمن فرصة , لان الحياة اذا انتهت – فات الحصاد , وحينئذ ستندم أشد الندم وتعض على أناملك في وقت لا ينفع فيه الندم , فأن الأجل سيفاً مسلطاً على رقاب العباد (ولا تدري نفساً ماذا تكسب غداً, ولا بأي أرضاً تموت )
فأنت لا تعلم متى سيحين الأجل – فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً , وأعمل لأخرتك
كتموت غداً.
فلا تؤجل أعمالك وخاصة الصالحات منها واياك والتسويف (فالباقيات الصالحات
خير عند ربك ثواباً وخيراً أملاً)
وفي هذه الأيام تهب علينا نسائم ذكرى الأول من مايو (عيد العمال) رجال البناء والتعمير والإنتاج الذين يحملون على عاتقهم و بسواعدهم نهضة مصر وتقدمها .
تحية أعزاز وتقدير وأجلال لكل العاملين من أبناء الوطن في عيدهم .