إيمان العادلى
نجحت الجارة الحسناء إذن في إسقاط مملكة عدو المرأة فماذا كانت أسلحتها الجديدة تلك المرة؟
قال لها الحكيم: لي شروط للزواج ألا يعرف أحد أننا تزوجنا لأنني أريد أن يبقى هذا الزواج سرا لا
تعرفه إلا أسرتك وألا ينشر هذا الزواج في الصحف لا تلميحا ولا تصريحا وأن أسافر وحدي إلى
الخارج دون أن يكون لك الحق في السفر معي ولا نستقبل ضيوفا في بيتنا سواء من الرجال أو النساء وألا أصحبك في نزهة أو رحلة وان يكون
مصروف البيت «200» جنيه لا تزيد مليما واحدا وألا أكون مسؤولا عن مشاكل البيت والخدم وأن تكون مشاكل كل الأولاد من اختصاصك وألا تطلبي مني سيارة وأن تعامليني كطفل صغير لأن الفنان طفل صغير يحتاج إلى الرعاية والاهتمام وأن يكون بيتنا هادئا بلا ضجيج أو خناقات أو أصوات تزعجني لأتفرغ لكتابه ما أريد وأن ينام كل منا في حجرة مستقلة ولا تتدخلي في عملي.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها الكاتب الكبير أن وافقت الجارة الحسناء على كل شروطه أعلنت استسلامها أمام كل طلباته رفعت الراية البيضاء لتوهمه أنه انتصر ووصل إلى عاصمة الأعداء!
وتم زفافها إلى توفيق الحكيم الذي كان يكبرها بعشرين عاما ومع الوقت ألغت بنفسها كل الشروط التي وضعها الحكيم قبل الزواج وكان الحكيم في غاية الرضا وهو يتنازل عن شروطه شرطا بعد شرط.
يقول مصطفى أمين: كانت تجد لذة في أن تخدمه لا تتركه إلا بعد أن تقدم له عشاءه وتضعه في الفراش وتغطيه باللحاف وتضع القربة الساخنة تحت قدميه وكان ينام الساعة الحادية عشرة مساء وكانت هي تبقى ساهرة وكانت تتعمد أن تستيقظ الساعة السابعة صباحا قبل أن يفتح عينيه في الساعة الثامنة صباحا وتكون قد أعدت له طعام إفطاره وكانت تشعره دائما أنه الملك وأنها رعيته ولم يكن توفيق الحكيم حاكما مستبدا كانت الكلمات الحلوة تجرده من سلطانه وهيلمانه.
كانت «سيادات» امرأة ممشوقة القوام… فاتنة الجمال… شقراء الشعر… شعرها خليط من اللون الأصفر واللون البني… وكانت لها ابتسامة جذابة… تأسر القلب… وكان عقلها أقوى ما فيها . وكانت تغلب توفيق الحكيم في المناقشة… تعرف كيف تحاوره وترد عليه… وكان صوتها جميلا… كثيرا ما غنت له بعض الأدوار التي يحبها.
يروى الكاتب الصحفي الكبير الراحل مصطفى امين قصة حب وزواج توفيق الحكيم وشريكة عمره فيقول:” كانت حبيبته وقبل أن تصبح زوجته تقرأ كل كتبه… وتناقش كل مقالاته… وتحاوره في كل أفكاره… وعندما التقت بتوفيق أبدت إعجابها به كرجل، وأخفت عنه إعجابها به ككاتب… ولم يلبث أن أحس توفيق أنها تراه الرجل الوحيد في العالم… وكانت ترى فيه كل الأساطير التي كتبها في كتبه… وكل الرجال الذين كانوا أبطال قصصه… وهكذا دخلت على قلب توفيق الحكيم من باب لم تطرقه امرأة أخرى من قبل… وإذا كانوا يقولون إن الحب من أول نظرة فقد كانت قصة توفيق الحكيم هي الحب من أول كلمة.
أدمن توفيق زيارة صديقه ضابط الجيش أحس أن شيئا خطيرا يتحرك في أعماقه كالوحش الكاسر يحرك مشاعره يدغدغ ضلوعه… ويحركه كالمسحور إلى بيت الجارة الحسناء… حاول أن يمنع نفسه… يسترد كبرياءه كعدو النساء… وكان يفشل في كل مرة ويكاد يبكي على عرشه الذي اهتز بشدة أمام الآنسة «سيادات».
طلبها للزواج ليرضي قلبه ووضع 15 شرطا قاسيا لتوافق عليها العروس قبل زفافهما كان يتمنى أن ترفض شرطا واحدا منها ليجد مبررا يقنع به نفسه بالهروب من هذا المأزق العاطفي الخطير حدد شروطه القاسية في زهو والعروس تسمع إليه كأن فوق رأسها الطير
وتعلمت حتى حصلت على الثانوية العامة،واستطاعت بذكائها وإصرارها أن تتثقف وتتعلم حتى كان يخيل إليك وأنت تسمعها أنها تحمل شهادة الدكتوراه وهكذا بهرت توفيق الحكيم بسعة اطلاعها… كانت امرأة ساحرة… وكانت تستطيع بجمالها وحده أن تأسر توفيق الحكم عدو المرأة ولكنها لم تشأ أن تسحره بجمالها وتقاطيعها… وإنما تعمدت أن تسحره بفتنة ثقافتها . وقوة شخصيتها.
وهكذا كانت المرأة الوحيدة التي استطاعت أن تخضع عدو المرأة، واستسلم لكن بشروط. استطاعت أن تلغيها كلها !… وكانت أحيانا تناديه باسم محسن وهو بطل قصة «عودة الروح» قد رأت وهي تقرأ القصة أن «محسن» هو توفيق الحكيم الحقيقي.
طفلها الصغير
وفي مرضها الأخير بعد 30عاما من زواجها من الحكيم سألتها إحدى قريباتها إن كانت قد ندمت على زواجها من الحكيم فردت عليها… ولا لحظة واحدة !.
وعندما عادت تسألها عن شعورها بأن زوجها يكبرها بسنوات طويلة.
قالت: لم أشعر إلا بأنه طفلي الصغير الذي لم يكبر أبدا
وعندما منح الرئيس عبد الناصر «قلادة النيل» إلى توفيق الحكيم، وذهب الحكيم إلى الاحتفال الكبير ليتسلم القلادة قالت زوجته أحذرك من أن تنحني أو تحني رأسك أمام عبد الناصر وأنت تتسلم القلادة كررتها أمامه أكثر من مرة.
فسألها الحكيم: وكيف لا أحني رأسي أمامه وهو رئيس الجمهورية؟
قالت له في ثقة: أنت أعظم من الرئيس أنت في عيوني أهم رجل في الدنيا ولا تنس نصيحتي لك عندما ينادون على اسمك
وجلست زوجة الحكيم أمام التلفزيون تنتظر اللحظة التاريخية اقترب الحكيم من عبد الناصر في خطوات مستقيمة وقف أمامه كالصقر ولم تنخفض رأسه صافح الرئيس وقامته منتصبة ثم تسلم القلادة ومازالت قامته مشدودة حتى عاد إلى مقعده وسط تصفيق الحاضرين
تقول حرم توفيق الحكيم: تابعته في التلفزيون ولاحظت أنه لم ينحن أمام الرئيس وسعدت بذلك أكثر مما سعدت بالوسام