.عالم الشطرنج
بقلم / داليا السيد العربى
الشرقيه
الشطرنج عالم كبير من المحبين لعبه والمشجعين له .
كمان أن لاعبيه يمتازون بالذكاء وقوة التركيز وسرعة البديهة.
وتقام حتى الآن له الكثير من المسابقات على الصعيد الداخلى لدول والدولى من كافة الشعوب على مستوى العالم .
ولكن الغريب هنا أن لعبة الشطرنج تنقذ لاعبها من موت محقق ونجد ذلك جليا فى قصة (اوسيب سامويلو فيتس بيرنستاين ) حيث كاد هذا الرجل أن يفارق الحياة رميا بالرصاص والجدير بالذكر أنه من اصل اوكرانىوقد تمكن (أوسيب) من حمل لقب أستاذ شطرنج كبير وهو أكبر لقب من الممكن للاعب شطرنج أن يحمله ويتم منحه لمدة الحياة من قبل الاتحاد الدولي للشطرنج، لكنه تمكن من الوصول لهذا الإنجاز بطريقةٍ مثيرة جداً، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم في مقالنا هذا.
وُلد (أوسيب) في عام 1882 لعائلةٍ يهودية غنية، وبدأ بلعب الشطرنج حين بلغ التاسعة عشر من العمر، وكان يدرس حينها ليصبح محامياً. وفي عام 1902، لعب (أوسيب) ضد لاعب الشطرنج الأمريكي الشهير (هاري بيلسبوري) وذلك في مسابقةٍ للشطرنج، وقد لُعبت هذه المبارة وكلا اللاعبين معصوب العينين، ربح (هاري) المباراة، لكنها لم تكن المباراة الأهم في مسيرة (أوسيب) بالتأكيد.
في عام 1902، ربح (أوسيب) لقب أستاذ شطرنج كبير، وذلك بعد ربحه في مسابقة الاتحاد العام للشطرنج General Chess Federation التي أُقيمت في برلين، ثم بدأ بعد ذلك بربح العديد من الألقاب في كل مكانٍ، حيث أن نظام تقييم لاعبي الشطرنج Chessmetrics وضع (أوسيب) في المركز التاسع بين أفضل لاعبي الشطرنج في العالم وذلك من شهر ابريل عام 1904 وحتى شهر مارس عام 1906، مانحاً إياه تقييماً قدره 2688 من النقاط في المجمل، بينما أعلى نقاط قام بتحقيقها كانت في مسابقة (أوستاند) حيث قام بتحقيق 2716 نقطة.
بعد تخرجه من كلية الحقوق، عاد (أوسيب) إلى موسكو حيث بدأ يعمل بنجاحٍ كمحامٍ مالي، وبعد فترةٍ قصيرة وقع (أوسيب) في الحب وتزوج من زوجته (فيملا)، وأنجب الزوجان ابنين. وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، نجح (أوسيب) بدمج مهارته وعشقه للشطرنج وإبداعه بمهنته كمحامٍ، حيث قام بالنجاح بمهنته ولعب الشطرنج بشكلٍ احترافي وأصبح نتيجة نجاحه هذا رجلاً غنياً بحق.
لكن نجاح (أوسيب) هذا لم يدم طويلاً، ففي عام 1918، تم اعتقال (أوسيب) من قبل الشرطة البلشفية وذلك خلال فترة الرعب الأحمر التي أدت لإنشاء أول حكومة مؤقتة مما قاد بالنهاية إلى تأسيس الاتحاد السوفيتي. وحُكم على (أوسيب) بالإعدام موتاً بالرصاص لكونه مستشاراً لرجال الأعمال وأصحاب البنوك.
بينما كان يتم البدء بتنفيذ حكم الإعدام، وبعد أن تم صف (أوسيب) مع غيره من المحكومين لإطلاق النار عليهم، قام ضابطٌ عالي الرتبة بطلب رؤية قائمة بأسماء المحكومين، وقام فوراً بالتعرف على اسم (أوسيب) كأستاذ شطرنجٍ كبير سابق، ولسببٍ ما قدم هذا الضابط لـ (أوسيب) عرضاً فريداً من نوعه، حيث عرض عليه لعب لعبة شطرنج ضده، وإن ربح فسيتم العفو عن حياته، بالطبع وافق (أوسيب) على العرض وقام بالفوز على الضابط ليتم الإفراج عنه.
على الرغم من تمكنه من النجاة بحياته بطريقةٍ إعجازية، إلا أنّ معاناة (أوسيب) لم تنتهي هنا، فقد قام بعد نجاته بالهرب إلى باريس فقيراً لا يمتلك أي مال، وعانت عائلته كثيراً في محاولة بناء حياتهم مرة أخرى. وفي صيف 1940، اضطرت العائلة إلى الهرب مجدداً وذلك بسبب احتلال فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أُجبرت العائلة على الاختفاء بالكهوف خلال النهار والسفر ليلاً للاختباء من الشرطة وحرس الحدود مدة يومين متعبين جداً حتى وصلوا أخيراً إلى إسبانيا.
يبدو أنّ جسد (أوسيب) لم يحتمل عناء تلك الرحلة، ففور وصوله إلى إسبانيا عانى (أوسيب) من أزمةٍ قلبية فقد الوعي على إثرها، ثم اعتقلت عائلته وفُصل أعضاء العائلة عن بعضهم البعض، لكن وبعد تدخل بعض الأصدقاء من ذوي النفوذ في إسبانيا، تم الإفراج عنهم والسماح لهم بالبقاء في إسبانيا، وأخيراً عادت العائلة إلى باريس عام 1945.
في البداية، وبسبب الظروف التي كان يمر بها، ابتعد (أوسيب) عن الشطرنج، لكن وفي محاولةٍ للهرب من الاكتئاب الذي بدأ يعاني منه عاد في نهاية المطاف إلى اللعبة ليكتشف أنّه ما زال يملك الموهبة. ففي عام 1933، قام باللعب ضد بطل العالم حينها (أليكسندر أليخين) وانتهت اللعبة بالتعادل بنتيجة 2-2، ثم شارك بعدها بعام في بطولة زيوريخ وحقق المركز الثالث وذلك خلف كلٍ من (ماكس إيوي) و(أليكسندر أليخين).
في عام 1940 وبسبب الأزمة الاقتصادية، قرر (أوسيب) التخلي عن مهنة المحاماة ولعب الشطرنج بشكلٍ دائم، لم يعد حينها يحقق الفوز بشكلٍ متكرر كالسابق لكنه بقي خصماً جديراً لأبرز لاعبي الشطرنج في العالم حتى في سن الـ 72، ومن أبرز النتائج التي حققها حينها:
تحقيقه المركز الثاني خلف (هيرمان شتاينر) في لندن عام 1946، كما حقق المركز 15 في بطولة جرونينجن بنفس العام، ثم ربح وفي شهر يونيو من نفس العام بلعبةٍ ضد (لاجوس شتاينر) كممثلٍ لفرنسا ضد أستراليا، وفي شهر ديسمبر من عام 1948 تعادل ضد (روبين فاين) وذلك في لعبةٍ معروضة على التلفاز كممثلٍ لمدينة باريس ضد نيويورك، وفي شهر ابريل من عام 1954 خسر بلعبتين أقيمتا في باريس ضد (دايفد برونشتاين) كممثلٍ لفرنسا ضد الاتحاد السوفيتي.
في عام 1954 وفي بطولة (مونتيفيديو)، تعادل كلٌّ من (أوسيب) و(ميغيل ناجدوروف) بتحقيق المركزين الثاني والثالث وذلك خلف (رينيه ليتلير)، وكان (أوسيب) يبلغ من العمر حينها 72 عاماً، لذا اعترض (ميغيل) قائلاً أنّه ليس من العدل اللعب ضد لاعبٍ متقدم بالعمر لهذا الحد.
يبدو أنّ (ميغيل) كان يستخف بخصمه ويثق من تحقيقه للفوز لذا أقنع منظمي البطولة برفع جائرة المراكز المتقدمة وذلك على حساب تخفيض جوائز المراكز الأخرى، لكن هذه المقامرة التي حاكها (ميغيل) انقلبت عليه في النهاية، حيث قام (أوسيب) الكبير في العمر بالربح عليه وذلك باستخدام حركةٍ تقليدية تُدعى الدفاع الهندي وبذلك ربح الجائزة المالية الكبيرة.
لم يكن (أوسيب) معروفاً فقط بمهارته العالية بالشطرنج، بل عُرف أيضاً بردوده وتعليقاته الذكية والتي ظهرت خاصةً حين لعب كممثلٍ لفرنسا ضد خصومٍ يمثلون الاتحاد السوفيتي.
فارق (أوسيب) الحياة عام 1962 بطريقةٍ حزينة لكنها متعلقة بالشطرنج، وهو ما يليق بالتأكيد بحامل لقب أستاذ شطرنج كبير، حيث عُقد الأولمبياد في ذلك العام في روسيا وقد قرر (أوسيب) المشاركة ولعب الشطرنج فيه وهو ما كان ليمنحه أخيراً فرصة العودة ولو لمدةٍ قصيرة إلى وطنه القديم، ولكن وبينما كانت الطائرة تهبط في المطار، أُصيب (أوسيب) بأزمةٍ قلبية لم يستيقظ منها.
نهاية حزينة لكن مناسبة لرجلٍ قامت لعبة الشطرنج بإنقاذ حياته.
صورة لـ بيرنشتاين تعود لعام 1961م.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.