سياسة البيض المسروق
إيمان العادلى
يحكى أن أحد ملوك القرون الوسطى كان يحكم شعبا حرآ كريمآ وكان هذا الشعب رغم طيبته وبساطته وعلاقاته الطيبة لا يسكت على باطل أبدآ ولا يدع الملك أو أي وزير من وزرائه يظلمون أحدا منهم فإذا ظُلم أحدهم وقفوا وقفة رجل واحد حتى يُرد الظلم عن أخيهم
أخذ الملك في حيرته يسأل وزراءه عن الحل وكيف له أن يحكم هذا البلد كما يريد
فخرج من وزرائه رجل داهية فأشار عليه باتباع سياسة يسميها سياسة البيض المسروق
ما تلك السياسة ؟
نادى في الناس أن الملك يريد من كل رب أسرة خمس بيضات من أي نوع فقام الناس بجمع البيض والذهاب به إلى قصر الحاكم وبعد يومين نادى المنادي أن يذهب كل رجل لأخذ ما أعطاه من البيض فاستجاب الناس وذهب كل منهم لأخذ ما أعطاه
وهنا وقف الوزير والملك وحاشيتهم وهم يتابعون الناس أثناء أخذ البيض ترى ما الذي وجدوه ؟
وجدوا كل واحد تمتد يده ليأخذ البيضة الكبيرة والتي ربما لم يأتِ بها
هنا وقف الوزير ليعلن للملك أنه الآن فقط يستطيع أن يفعل بهم ما أراد
فقد أخذ الكثير منهم حاجة أخيه وأكل حرامآ ونظر كل منهم لما في يد الآخر فلن يتجمعوا بعدها أبدآ
لا عجب في ذلك فقد أشار الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لمن كان مأكله حرام وملبسه حرام ومشربه حرام ويدعو الله فأنّى يستجاب له
من هنا لجأت بعض الحكومات لأنتهاج نفس السياسة تجويع الناس ليقوموا باللجوء إلى المال الحرام ولو في أبسط صوره وجعلها طبقات فينشأ الحقد والحسد بين الناس وهو ما يجعلهم يستطيعون حكم شعوبهم
وعندما مر الزمن وقامت فئة واعية تبصر ما فعله الملك بشعبه أخذوا يثورون ويطالبون بحق الشعب في الحياة
الطيبة
فلجأ الملك للوزير الذي أشار عليه هذه المرة بسياسة جدول الضرب
فما هذه السياسة ؟
أن يستخدم الملك العمليات الحسابية : الجمع والطرح والضرب والقسمة في تعامله مع هذه الفئة التي تطالب بحقوقها وحقوق الوطن كيف ؟
أولا يبدأ بعملية الجمع
فيجمع ما أستطاع منهم حوله بأن يتقلدوا المناصب ويأخذوا الأموال والأوسمة فينسوا القضية بعد أن يكسر الملك عيونهم بفضله عليهم
أما الفئة التي تظل على موقفها وبالضرورة هم قلة فيلجأ الملك للطرح فيطرحهم أرضا بتلفيق القضايا وأستخدام نقطة الضعف في كل واحد منهم وبذلك يتواروا عن الأنظار إما خجلا أو خلف غياهب السجون شرط أن تكون كل القضايا بعيدة عن خلافهم مع الملك أي يكون التدبير محكما ونظيفا
أما من تبقى وهم قلة القلة فإذا خرجوا يهتفون وينددون فالرأي أن يلجأ للعلامة الثالثة من العلامات الحسابية وهي
الضرب
فضربُهم والتنكيل بهم في الطرقات سوف يخيف الباقين من تكرارها
هنا تساءل الملك :
ترى ما الذي سيكون عليه حال الشعب ؟
فضحك الوزير قائلا :
يا سيدي لم يتبقَ للشعب في معادلتنا سوى علامة واحدة هي القسمة
قال الملك وماذا تعني ؟
فأجاب الوزير :
لن يكون أمامهم سوى أن يخضعوا ويفلسفوا عجزهم بقولهم : هذه قسمتنا ربنا على الظالم يعني على جلالتك وهذا أمر مؤجل ليوم القيامة
وهنا ضحك الملك وضحك الوزير ومازالت أصداء ضحكاتهم تملأ الآفاق حتى يفيق ويقف الشعب من جديد