سلطان سليمان عليه السلام
إيمان العادلى
بعد وفاة سيدنا داوُد عليه السلام، تولى حُكم بني إسرائيل إبنه سليمان عليه السلام، والذي اشتهر بالحكمة والفطنة وسط قومه، وبعد أن استوى على عرشه، طلب من الخالق أن يهبه مُلكًا لا ينبغي لأحدُ مِن قبله أو من بعده، مُلكُ لا يستوعبه عقل بشر لم يُعاصره..
وهب الله سيدنا سليمان سُلطان على عالم الجن والعفاريت وطير السماء وكل ما يدب على الأرض، وهُناك ملاك مُسَّخر له يحمل بيده سوطًا ناريًـا يجلد كل من تسول له نفسه عصيان أمر سليمان عليه السلام فيحوله عن فوره لرماد…
بنى الجن لسليمان عليه السلام هيكل الرب في أورشليم، وقصورًا وأبنية ضخمة، وحفروا له الأنهار وبعضهم كان بعوض في البحر فيستخرج لهُ اللؤلؤ والمرجان، والبعض الآخر يحفُر في المناجم فيستخرج الياقوت والزمرد وغيرها من الأحجار الكريمة..
وكان يفهم النبي منطق كافة الحيوانات والطيور وحتى الأشجار، كما كان مُتسلطًا على الجن والأرواح المُظلمة..
عاش بني إسرائيل في عصرُ رغيد لم يُعاصروا مثله من قبل أو من بعد، فقد اشتدت خُضرة الحقول وعم الخير وكان للنبي قصرُ عظيم بناه له الجن جُدرانه من المرمر والرخام الفاخر وفي جوف الأرض من تحت القصر خزائن الكنوز التي يجمعها الجن من شتى أنحاء العالم، ووقف على بوابة تلك الخزائن إثنان من مردة الجن التي لا تغفل لهما عين، يمنعان أحدُ من دخوله إلا بإذن النبي..
قيل والله أعلم أن النبي عليه السلام كان إن غضب عن أحد الشياطين فإنه كان يحبسه في قارورة زُجاجية، وقيل إنه في يوم جئ إليه بأحد الشياطين مُقيدًا نظير جرمُ قد ارتكب..
ذلك الجُرم كان أنه قد أضاع لؤلؤة قد استخرجها من البحر ولم يودعها بخزائن المُلك ..
النبي الجالس فوق عرشه العظيم في قصره الفاخر الوثير قال بنبرة حادة.. أين خبأتها أيها الشيطان اللئيم..؟
فقال له الشيطان.. لقد استخرجت من البحر لؤلؤة بحجم رأس الإنسان ولم يُرى كمثيل بريقها ولا لمعانها مُطلقًا مِن قبل، وما إن استخرجتها حتى أدركت أنها ستجعلني عندك مُكرمًا طوال حياتي..
ولكن في طريق عودتي فوجئت بمارد ضخم قد انقض عليّ من السماء فخطفها مني وطار بعيدًا حتى اختفى في عنان السماء بإتجاه الجنوب..
قال النبي.. لو كان حقًا ما تقول فإني سأعرض عليك الجن فتستخرجه من بينهم..
فقال الشيطان.. لو كان الجني من مملكتك فما استطاع أن يفلت مني ولكنه يعيش في مملكةُ أخرى!.
عندئذ أمر النبي بسجنه حتى يرى مبلغ صدقه، واستدعى وزيره آسف بن برخيا يستشيره في الأمر ..
فقال آصف بن برخيا.. إن هذا الأمر قد يكون إشارة من الله وتذكرة منه لعبده سليمان بضرورة الجهاد في سبيل الله..
فعاد النبي إلى محرابه مُتعبدًا طيلة الليل وفي الصباح الباكر أمر بتجهيز الجيوش وأطلق سراح ذلك الجن من سجنه..
في اليوم التالي خرج النبي سليمان بجيشُ عظيم قوامه من الإنس والجن والطير يُحلق من فوقه في جحافل لا تنتهي على مرمى البصر باتجاه الجنوب مُجاهدين في سبيل الله..
حقيقةً، كان الزحف عَظيمًا نحو الجنوب، فعن يمين النبي كان فُرسان الإنس فوق خيولُ حمراء وعن يساره فُرسان الجن فوق خيولهم، ومن خلفهم جحافل المُشاة من الإنس ومردة الجن الأقوياء وتُحلق من فوقهم الطيور الجارحة بمُختلف أنواعها، وكلُ يُجاهد في سبيل نشر الدعوة لله ..
لكن ما يشغلنا هو حكايا النبي الكريم مع الجن.. والآن نستعرض لكم من ضمنها..
في أحد الأيام أتى نبي الله رجلُ عجوز من بني إسرائيل يشكو ولده سوء المُعاملة حتى إن الأمر وصل به لتهديده بالقتل!.
فاستدعى النبي سليمان الإبن يسأله عما به..؟
أنكر الإبن تلك التُهمة، وطلب من النبي أن يُنصفه في مُقابل مع تقدم من الأب من افتراءُ..
الأب نظر إلى سيدنا سليمان وطلب الموت لإبنه!.
فاحتدم الأمر واشتعل، حتى فوجئ النبي بصوت ضحكات يأتي عن يمينه، فنظر فإذا بعفريت اسمه أورنياس يضحك!.
فغضب سيدنا سليمان بشدة وسأل أورنياس هذا عن سبب ضحكه المُستفز فقال.. إن الأب سيموت بعد ثلاثة أيام ميتةُ طبيعية دون تدخل من أحد!.
فأمر سليمان الإبن والأب أن يعودا بعد ثلاثة أيام!.
وبعدما انصرفا، نظر النبي تجاه العفريت فسأله عن كيفية معلوميته لشئ كهذا..؟
فقال أورنياس.. نحنُ نطير نحو قبة السماء ونتجول بين النجوم فنسمع الأوامر التي يصدرها الله إلى الملائكة بخصوص حيوات البشر ولكن بما إننا لا نملك قدرة الملائكة على الطيران لمدة طويلة وحتى أننا لا نجد ما نستند إليه في الفضاء فإننا نسقط من الأعلى نتهاوىمثل وميض البرق، فيحسب مَن يرانا مِن على الأرض أننا نجومُ نتساقط من الأعلى!..
نرى في القرآن الكريم ذكر الشياطين التي تطير للسماء فتسترق السمع وعن الشُهب التي يُقذفون بها..
بسم الله الرحمن الرحيم..
﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) ﴾ سورة الملك ٥..
بسم الله الرحمن الرحيم..
﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (18) ﴾ الحجر ١٦/١٨..
يُقال أيضًا والله أعلم أن إبليس بذاته كان مُكبلاً في تلك الفترة في قصر سليمان وقد لاقى العذاب، وتمنى يومًا يموت سليمان فَيتحرر ويُكمل خطته الملعونه..
**
عفريتُ من الجن!؟أم علمُ من الكتاب؟!! ..
بعدما علم النبي عن أمر الملكة بلقيس فجمع النبي حاشيته في القصر العظيم وطلب منهم أن يُحضروا له “عرش” بلقيس قبل أن تأتيه هي في زيارتها الموعودة وكانت قد أعدت العُدة هي في ذلك..
فقال عفريتُ من الجن.. أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك!.
بما يعني أن ذلك العفريت سَيُحضِّر العرش فورًا وقبل أن يقوم النبي وينفض المجلس..
فقال الذي عنده علمُ من الكتاب.. عرض أن يُحضر “العرش” في لمح البصر وكان حاضرًا بالمجلس،
وهو شخصًا تركه لنا القرٱن الكريم يغوص في بحرًا من الغموض وقد قال المفسرون.. هو رجل عالم صالح عند سليمان يُقال له.. “آصف بن برخيا”.
ويُقال أن آصف بن برخيا كان على علم بإسم الله الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب، وإذا سأل به أعطى، أو إنه “جبريل” وليس من الجن وذلك لضرب القطع بالٱيات القرٱنية الواردة بهذا الصدد ..
بالنهاية إختلف العلماء في تأييد ذلك الذي عنده علم الكتاب وأغلب ما ورد عنه مجرد “تَكهُنات” تحتمل الصواب والخطأ والله اعلم، ولكن الثابت أنه ليس من الجن..
وبالفعل تفوق ذلك الذي عنده “علم” من الكتاب واستطاع إحضار العرش في لمح البصر
ما يُلمح إلى أنه ما يُمكن لعلم الكتاب أن يتفوق على قُدرات الجن وما يضعنا أمام مُعضلة حقيقية!..
عن أيّ علمٍ وأيّ قُدرة نتحدث هُنا!؟
**
في الحقيقة إن عالم الجن عالم غيبي، لا نراه ولا نلتمسه ويطير بنا في عنان الخيال يُتيح لنا مئات التخمينات بعيدًا عن الكتب والمصادر الموثقة، لأن عقولنا لا ترضى أبدًا إلا بما تراه ولكنها تخشى جدًا ما يرانا ولا نراه!.
فإن أغلب القصص الواردة في هذا البوست ما هي إلا ذكرُ في المصادر قد قُمت بروايته عن تصرف روائي دون مساس بأصول القصص..
المصادر..
القرآن الكريم.
القصص القرآني ومتوازياتها التوراتية .. فراس السواح
البداية والنهاية .. إبن كثير.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.