سر البسلة فى اكتشاف البشر علم الوراثة
إيمان العادلى
هل تخيلت أن تكون البازلاء سببًا فى اكتشاف أحد أهم العلوم الحديثة وهو علم الوراثة
البداية هنا تأتى مع جريجور مندل المصنف باعتباره واحدا من أهم علماء القرن التاسع عشر فيما بين عامى 1856 و1863حيث قاد العالم النمساوى مجموعة من التجارب انهى بها عددًا من النظريات السابقة ووضع بفضلها أسس علم الوراثة الحديثة ليلقب بناء على ذلك بـ”أب علم الوراثة”
تقترن الاكتشافات العلمية دائمًا بإجراء العديد من التجارب والأبحاث سواء على الحيوانات أو النباتات خاصة فيما يتعلق بعمليات البحث عن ابتكارات يمكن استخدامها من قبل الإنسان وذلك بهدف تقليل المخاطر التى قد يتعرض لها البشر حال تجربة هذه التقنيات الحديثة مباشرة
ولعل تاريخ ونشأة جريجور مندل نفسه، كان له عامل كبير فى هذا الاكتشاف العلمى الهام فى تاريخ البشرية، والعالم النمساوى ولد يوم 22 يوليو سنة 1822 لعائلة فقيرة امتهنت الفلاحة بإحدى القرى الصغيرة بشمال مورافيا الموجودة حاليا بتشيكيا، وعلى الرغم من قلة مواردها المالية، آمنت عائلة “مندل” بأهمية الثقافة والعلوم، فما كان منها إلا أن أرسلت ابنها جريجور مندل لتعلم الرياضيات والفيزياء والفلسفة.
خلال مسيرته الدراسية، عانى “مندل” من مشاكل عديدة كانت أبرزها مادية وصحية، فإضافة للفقر تدهورت الحالة الصحية لـ”أب علم الوراثة”، مرات عديدة بسبب المرض، وهو الأمر الذى أجبره على الانقطاع عن الدراسة لأكثر مرة، وبالتزامن مع ذلك، التحق جريجور مندل بدير القديس توماس بالنمسا، الموجودة حاليا بمدينة برنو، فى تشيكيا، ليواصل تعليمه على يد عدد من الرهبان الأوغسطينيين المثقفين والمعجبين بالفيزياء والرياضات.
درس مندل، بدير القديس توماس ليصبح راهبا، ثم انتقل ليواصل تعليمه بجامعة فيينا سنة 1851، وأثناء تواجده فى فيينا، أعجب “مندل” بمهنة المدرس وحاول جاهدًا أن يحصل على شهادة معترف بها للتدريس بإحدى الجامعات، ولكنه فشل مرتين فى اجتياز الاختبار، حيث كان الأخير عاجزًا عن إتمام الجزء الشفهى من الاختبار.
خلال العام 1853، عاد الراهب جريجور مندل، مجددًا لدير القديس توماس، ليعمل كمدرس فيزياء بها، ويباشر خلال نفس الفترة أبحاثه حول علم الوراثة لدحض النظريات السائدة والتى آمنت أن الصفات الوراثية مزيج من صفات الآباء، وأن سلالة الهجين تميل للعودة لأصلها مع مرور الوقت، وأن تكاثر الهجين غير قادر على خلق أشكال جديدة، وذلك حسب ما نشر فى تقارير إعلامية، اليوم الأحد.
وخلال تلك الفترة، اتجه “مندل” لاستغلال حديقة الدير لإجراء تجارب على الوراثة، حيث اعتمد الأخير على البازلاء بسبب تنوع صفاتها الوراثية وقدرتها على التلقيح الذاتى عن طريق كمية قليلة من حبوب اللقاح ونموها السريع، فى بداية الأمر، زرع مندل بذور بازلاء تمتلك أزهارا أرجوانية وتركها تتلقح ذاتيا ليحصل فى النهاية على سلالة نقية، وعقب ذلك أجرى تلقيحا ثانيا نقل خلاله حبوب لقاح بازلاء أرجوانية الأزهار إلى أخرى ذات أزهار بيضاء، ثم عكس العملية قبل أن يقدم على زراعة البذور التى أنتجتها التجربة.
وفى هذا الوقت، ذهل “مندل” عندما شاهد أن أفراد الجيل الأول من التجربة كانت بازلاء ذات أزهار أرجوانية، وفى سعيه لفهم سبب اختفاء النبات ذو الأزهار البيضاء عمد “مندل” لزراعة بذور الجيل الأول للتجربة ليحصل على جيل ثان كان ثلاثة أرباعه من ذوات الأزهار الأرجوانية وربعه الآخر من ذوات الأزهار البيضاء، لاحقا، أعاد “مندل” التجربة على صفات أخرى كطول ساق النبتة ولون البذور ليتحصل فى كل مرة على نتائج تشبه سابقتها، حيث تسود فى الجيل الأول صفات أحد الأبوين قبل أن تزول بالجيل الثانى، وانطلاقًا من ذلك أطلق “مندل” اسم الصفة السائدة على الصفة الظاهرة، واسم الصفة المتنحية على تلك التى اختفت.
وبفضل هذه التجارب على البازلاء، حصل جريجور مندل على قوانين الوراثة المندلية، ومن خلال قانون انعزال الصفات يحمل كل فرد زوجًا من الجينات لكل صفة حيث تورث هذه الجينات من قبل الأبوين بطريقة عشوائية، ويحدد الجين السائد الصفة السائدة فى كل النسل، ومن خلال قانون التوزيع المستقل، يورّث الوالدان الجينات المسئولة عن الصفات المنفصلة بشكل مستقل عن بعضها البعض أى أن اختيار الجين المورث لصفة ما لا يتدخل ليؤثر فى اختيار الجين المورث لصفة غيرها.
يوم 7 فبراير سنة 1865، قدّم “مندل” أبحاثه لتعرض لدىBrunn Society for Natural Science، والتى وافقت على نشرها خلال العام التالى، وعلى الرغم من دقة الأبحاث والنتائج، لم يعر أحد أى اهتمام لأبحاث “مندل”، التى كانت سابقة لعصرها، حيث عادت أبحاث “أب علم الوراثة”، لتظهر مجددا بعد نحو 30 عامًا وتثير اهتمام عدد كبير من العلماء، وفى غضون ذلك، لم يكن جريجور مندل حاضرًا ليشاهد النجاح الباهر الذى حققته أبحاثه على البازلاء، والتى أنتج أكثر من 10 آلاف بذرة منها خلال أبحاثه بحديقة الدير، حيث فارق هذا العالم النمساوى الحياة خلال شهر يناير سنة 1884 بسبب التهاب بالكلى