رسالة بعثها عمر بن الخطاب إلى “نهر النيل”
إيمان العادلى
في عصر الفراعنة كان ماء النيل جزءًا أساسيًا من طقوس العبادات وغسل الموتى، وتغنى المصريون القدماء بـ”النهر المقدس”، وجعلوا له عددًا من الأرباب والربات، من بينهم “حابي” و”سوبيك” أو (الرب التمساح)، الذي كان يعبد فى إسنا وكوم أمبو والفيوم.
فنهر النيل على مدار التاريخ نال اهتمامًا كبيرًا من قبل المصريين فهو شريان الحياة الذي قدسه الفراعنة وكانت أساطيرهم الدينية ساحرة الدلالة حول علاقة الشعب المصري بنهر النيل.
حب الفراعنة لنهر النيل جعلهم يضحون بأجمل فتاة في البلاد، وبدأت تلك العادة بعد عدم فيضان النيل في عهد أحد الملوك فأشار كاهن إلى الملك أنّ النيل غاضبٌ لأنه يريد الزواج من أجمل بنت مصرية.
تقول القصة أن الملك جمع أجمل المصريات واختار منهن الأجمل (وسميت بعروس النيل) وأقنعها أنها ستتزوج من الإله “حابي” في الحياة الآخرة، والإله حابي، يكتب أيضًا “حعبي”، هو إله النيل عند الفراعنة.
استمرت تلك العادة، وفي كل عام كان المصريون يلقون في النيل فتاة عذراء استجداءً لوفائه.
عقب الفتح الإسلامي لمصر، رفض المسلمون إلقاء “عروس النيل” في النهر عندما تأخر منسوب النيل عن الزيادة المعتادة كل عام.
ووفقًا لما قاله المؤرخ أبو القاسم بن عبدالحكم، في كتابه “فتوح مصر وأخبارها”، إن أهل مصر توجهوا إلى عمرو بن العاص بعد الفتح، وأخبروه إن نهر النيل لا يفيض وتزيد مياهه لتروي الأرض إلا إذا ألقوا فيه “عروس النيل”، فرفض الأمر، لأنه لا يتناسب مع تعاليم الإسلام.
تأخرت الزيادة ثلاثة أشهر كاملة، حتى بدأ القلق يدخل قلوب المصريين وخشوا من أنهم قد يتعرضون لجفاف شديد يتحول إلى مجاعة، فبدأ بعضهم يستعد للرحيل بحثا عن مكان آخر يقيم فيه، معتقدين أن النهر سوف يتوقف تماما عن الجريان نتيجة رفض المسلمين لإلقاء عروس النيل.
الوضع في مصر، زاد من قلق عمرو بن العاص، الذي أرسل بدوره رسالة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يخبره فيها بما يحدث في مصر.
فرد عليه الخليفة قائلا “قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي”.
وعندما وصل رد الخليفة إلى عمرو بن العاص، فتح تلك الرسالة الخاصة التي أمره عمر بن الخطاب أن يلقيها في نهر النيل، فوجد مكتوب فيها: “من عبدالله أمير المؤمنين، إلى نيل مصر. أما بعد، فإن كنت إنما تجري من قِبَلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك”.
وعلى الفور، ألقى عمرو بن العاص البطاقة في نهر النيل، وترقب المصريون ما سيحدث، وهم يستعدون للجلاء عن منازلهم، وبعد ليلة واحدة، فوجئوا بالمياه تجري في نهر النيل، وقد تعالت إلى مستوى يضمن لهم الخير لمدة عام كامل.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.