رائعة دوماس الخالدة غادة الكامليا
إيمان العادلى
لاقت هذه الرواية التي نشرت سنة 1848، نجاحا كبيرا أغرى المنتجين بتحويلها إلى مسرحية لكن مسارح باريس رفضتها لأن بعض المسؤولين وصفوها بالمسرحية المخزية وبعد انقلاب نابليون الثالث قبلها مسرح فودفيل في فبراير1852 ولمّا انتهى عرضها الأول شهق المشاهدون بالبكاء وخرجوا يكفكفون الدموع.
يحفل الأدب بقصص الحب الرائعة لكن واحدة لم تمس شغاف القلوب وتدمي العيون مثل «غادة الكاميليا»، تلقفها القراء كما يتلقف التائه في الصحراء جرعة الماء. والسبب…؟ وهل هناك أسمى من نكران الذات في الحب!؟
راقبهم الكسندر دوماس الابن متأثرا وتذكر حبيبته ماري دو بليسي، غادة الكاميليا الحقيقية، وتساءل: هل يعرفون إنه حبيب كاميليا أرمان دوفال؟ وما جرى في باريس تكرر في كل عواصم العالم، سواء في المسارح أو دور السينما.
القصة
باريس في منتصف القرن التاسع عشر: الحسناء مارغريت غوتييه، إحدى بنات الليل، وللنخبة، تحديدا، وحبيبة الذي يستطيع أن يمدها بأسباب الترف. لقبوها بغادة الكاميليا لأنها تتزين بوردة الكاميليا البيضاء في النهار وبالحمراء في الليل.
تتعرف على الشاب أرماند دوفال، وهو من البرجوازية الريفية، وتحبه ويحبها. يطلب الزواج منها، رغم ملاحظته أعراض المرض عليها، فتبتسم وتطلب منه أن لا يفكر في الموضوع ثانية. يحوم حولها بالحب، ويتوسل إليها أن تقلع عن نمط حياتها وتعيش معه في منزله في الريف، بعيدا عن صخب باريس ومصادر الإزعاج فيها. فتتعلق به أكثر وتوافق. لكن المعجبين بها في باريس، يلاحقونها ويزورها بعضهم في المنزل. فتواجههم مع أرماند، وتطلب منهم عدم زيارتها مرة ثانية.
بين الأب والابن
تعيش مارغريت مع حبيبها بسعادة في ذلك المنزل الريفي المنعزل فترة قصيرة. إذ تسوء أعمال أرماند ويبدو قلقا ومغتما، فتقف إلى جانبه وتطرح الهم عنه وتساعده في إدارة أعماله. ومن دون علمه، يزورها والده ويعرض عليها مبلغا من المال، مقابل أن تدع ابنه وشأنه، فترفض.
وعندما يلمس أنها تحب ابنه، يرجوها أن تهجره حرصا على سمعته وعمله. ويناشدها أن تنقذ عائلته من العار وترحم ابنته البريئة، أخت أرماند الصغيرة، التي لطختها الفضيحة، وربما تضيّع عليها فرصة الزواج. تفكر مارغريت وترى أنه على حق.فتحزم أمرها وتترك رسالة الى أرماند وتغادر المنزل.
لا يصدق أرماند أنها تخلت عنه وتحب رجلا آخر. تدفعه الغيرة إلى الجنون ويضنيه أن تعيش مع غيره. يعود إلى باريس ويبحث عنها، فيجدها برفقة عشيق جديد. يثور غاضبا ويشتمها ثم يفتش عن عشيقة جديدة. وفي أحد الأيام، يقابلها في حديقة الاليزيه ومعها حسناء مثلها، فيغازل تلك الحسناء ويواعدها ويتمادى، في الوقت نفسه، في إزعاج مارغريت وإهانتها.
تتألم مارغريت كثيرا ويزيدها ألماً أن حبيبها يفعل ذلك بها. تزوره في منزله، وترجوه للمرة الأخيرة، أن يكفّ عن إهانتها، فيتشاجران وتتحرك العواطف ويتصافيان. لكن مارغريت سرعان ما تشعر بالذنب وتلوم نفسها. إنها تحبه لكنها لا تريد أن تدمره مع عائلته. تغادر المنزل وهو نائم.
يغضب أرماند بشدة عندما يستيقظ ولا يجدها. يخرج باحثا عنها ويجدها في حفلة اجتماعية راقصة، فيتقدم منها غير مكترث. ويعطيها ظرفا مملوءا بالمال ويقول لها: هذه أجرتك عن الخدمات التي قدمتها لي. ثم يذهب. تنهار مارغريت. أهانها في الصميم ووصفها علانية بالعاهرة الرخيصة. تسافر الى لندن طلبا للراحة والنسيان.
وهناك يباغتها مرض السل، فتعود الى باريس. يشتد مرضها ويذوب مالها ويتخلى عنها أصدقاؤها، فتقترض النقود من المرابين وتصارع المرض وحدها. يعلم والد أرماند بمرضها، فيزورها ويشفق عليها ويكتب رسالة الى ابنه المسافر يطلعه على الحقيقة. يصل أرماند بعد موتها، حين يعرضون أمتعتها للبيع في المزاد العلني. يعطونه مذكرتها. وبهذه الخاتمة تبدأ الرواية والمسرحية.
عندما طلبت مارغريت القس، لتعترف بخطاياها، قبل أن تسلم روحها، تردد.. وسار إلى منزلها مكرها. وبعد موتها، خرج من غرفتها مطرقا وقال: «عاشت هذه المرأة زانية وماتت قديسة». وبقوله يطرح الكسندر المغزى ويردنا الى المشكلة التي لاتزال المجتمعات، في كثير من دول العالم، تعاني منها، وهي مشكلة الآثم والتوبة.