العاصمة

دروس من هجرة سيد البشر

0
طارق سالم
يحل شهر الله الُمحرم فيتذكر المسلمون ذلك الحدث العظيم الذي قلَب موازين التاريخ وغير وجه البشرية إنه حادث الهجرة النبوية المباركة من مكة المشرفة إلى المدينة النبوية التي كانت سبيلا إلى إنشاء الدولة الإسلامية .
الهجرة النبوية تضمنت بعض الدروس والعبر وهي : –
• – لا لليأس:
لقد مكث النبِي – صلى الله عليه وسلَّم – في مكة مدة من الزمن يدعو قومه إلى الهدى فما آمن له إلاَّ قليل بل عاش الاضطهاد وعذِّب هو وأصحابه فلم يكن كل ذلك يثنيه عن دعوته،بل زاده إصرارا وثَباتا ومضى يبحث عن حلول بديلة فخرج إلى الطائف باحثًا عن أرض صالحة للدعوة لكن قوبل هناك بأقسى مما توقَّع فأُوذي وأُهين وقذف بالحجارة وخرج من الطَّائف مطرودا مهانا وقد تجاوز الخمسين ولكن أشد ما يكون عزيمة على مواصلة رسالته فأخذ يعرض نفسه بإصرار على القبائل في موسم الحج ويقول: ((ألاَ رجل يَحْملني إلى قومه فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربِّي))
فرفضت خمس عشرة قبيلةً دعوته،حتى فتح الله له صدور الأنصار فكانت بيعة العقبة الأولى والثَّانية وكانت سفارة مصعب بن عمير إلى المدينة الذي هيأ التربة الصالحة لاستمرار الدَعوة وتكوين الدَّولة في المدينة النبوية فكانت الهجرة تتويجا لعمل دؤوب وصبر شديد وحركة لا تعرف الكلل أو الملل.
• حسن الصحبة:
وتجلَّت في أبهى صورها مع أبي بكر الصديق الذي ذهب كثير من المفسِرين إلى أنَّه هو المقصود بالْمصدِق في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ لَما قال النبي – صلى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أُريتُ دار هجرتكم ذات نَخْلٍ بين لابتين)) تَجهَّز أبو بكر، فقال له النبِيُّ – صلى الله عليه وسلَّم -: ((على رِسْلِك؛ فإنِّي أرجو أن يُؤْذَن لي))، فقال أبو بكر: “وهل ترجو ذلك بأبِي أنت قال: ((نعم))، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم – لِيَصحبه، فانتظر أربعة أشهر يعلف راحلتَيْن كانتا عنده حتَّى أذن الله بالهجرة فلما أخبَره النبِيُّ – صلى الله عليه وسلَّم لَم يُصدِّق أنْ يكون صاحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حتَّى قال: “الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله؟” قال رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم ((نعم)) قالت عائشة رضي الله عنها “فوالله ما شعرت قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحدًا يبكي من الفرح حتَّى رأيتُ أبا بكر يبكي يومئذٍ”
وعندما خرجا معًا كان أبو بكر يتقدَّم النبِيَّ – صلى الله عليه وسلَّم – في ترَصُّد الأمكنة حتَّى لا يصيبه أذًى فسأله النبي – صلى الله عليه وسلَّم – قائلاً: ((يا أبا بكر لو كان شيء أحببتَ أن يكون بك دوني)) فقال أبو بكر: “والذي بعثك بالحقِّ ما كانَتْ لتكون من مُلِمَّة إلاَّ أن تكون بي دونَك”، فلما انتهَيا إلى الغار، قال أبو بكر: “مكانك يا رسول الله، حتَّى أستَبْرِئ لك الغار”
• شدة التوكل على الله:
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ قال ابن عباس: “لَرادُّك إلى مكَّة كما أخرجَك منها”.
مَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على النبِيِّ – صلى الله عليه وسلَّم – وصاحبه وقد وقَفوا على شفير الغار حتَّى قال أبو بكر: “لو أنَّ أحدهم نظر تَحْت قدمَيْه لأبصرنا” إنه الله ولذلك كان جواب الرسول – صلى الله عليه وسلَّم -: ((ما ظَنُّك يا أبا بكر باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما))
إن التوكُّل سبيل النَّصر فكلما احلولكَتِ الظُّلمات، جاء الصُّبح أكثر انبلاجًا ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ إنَّها جنودُ الله التي تصحب المتوكِّلين عليه هذا سُراقة بن مالك يُبْصِر مكان المختبِئَيْن ويَحْزن أبو بكر ويقول: “أُتينا يا رسول الله”، فيقول له النبِيُّ – صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَحزنْ؛ إِنَّ الله مَعَنا)) فإذا بالعدوِّ ينقلب صديقًا يعرض عليهما الزادَ والمتاع ويَذْهب بوصيَّة رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((أَخْفِ عنَّا))
• التضحية:
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطر إلى مغادرة بلده مكه الذي ولِد فيها وترك أهله وعشيرته فقال وهو ((واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله وأحبُّ أرْض الله إلى الله ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ))
وهذه أم سلمة وهي أول امرأة مهاجرة في الإسلام – تقول: “لما نوى أبو سلمة الخروج إلى المدينة أحضر بعيرا له وحملني وحمل معي ابنه سلمة ثم خرج يقود بعيره فلما رآه رجال بني المغيرة بن مخزوم قاموا إليه فقالوا: أن اردت أن تهاجر فبنفسك فقط وهذا سلمة ولدنا وأخذوه وعندما علمت بنو عبدالأسد قالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذْ نزعتموها من والده فتجاذبوا ابنِي سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبدالأسد و وانطلق زوجي أبو سلمة حتَّى لحق بالمدينة ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني فمكثت سنة كاملة تبكي حتى أشفقوا من حالها فخلوا سبيلها وردوا عليها ابنها فجمع الله شملها بزوجها في المدينة.

اترك رد

آخر الأخبار