طارق سالم
يحتفل المسلمون في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى عطرة عزيزة على
القلوب هي ذكرى مولد فخر الكائنات نبي الأمة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء (سيدنا محمد) صلى الله عليه وسلم سيد
ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين الذي بمولده وطلعته إستنار الكون وأشرقت الأرض بنور ولادته كيف لا وهو الرحمة المهداة
والنعمة العظيمة والأمل المنتظر الذي أرسله الله عز وجل للناس أجمعين ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) فكان رحمة
للبشرية كلها وببعثته ورسالته ودعوته انقشعت الظلمات وتبدلت الأرض غير الأرض فإنتشرَ العدل بعد طول سيطرة للظلم وعم
الإحسان بعد طول كراهية وجفاء وانمحت ظلمات غشيت العقول وأعمت البصائر والأبصار.
لقد كان يوم ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الأثنين يوم سعادة دائمة للبشر وكل كائنات الوجود وكان صلى الله
عليه وسلم يحب يوم (الإثنين) فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل صوم يوم الإثنين فقال: هذا يوم ولدت فيه
وقال ابن عباس رضي الله عنهما “ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين واستنبئ يوم الإثنين وخرج مهاجرا يوم الإثنين
وقدم المدينة يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين”.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف هي مناسبة وفرصة لكل مؤمن كي يتذكر اصطفاء الله عز وجل للنبي المصطفى من بين كل
الخلائق وإصطفاءه لنا من بين كثير من الخلق لنكون من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه ولا شك أن الفرح
بهذا الإنتساب يجب أن يتناسب مع ما يستحقه من محبة واتباع لنهج المصطفى وإلتزام بهديه كما يجب أن تكون هذه الذكرى
موعظة لكل منا يرى فيها حال المسلمين والعرب اليوم الذين تداعى عليهم الأعداء والكارهون كما تتداعى الأَكلة إلى قصعتها
لأن المسلمين والعرب باتوا اليوم غثاء كغثاء السيل لا تغني عنهم كثرتهم العددية ولا ثرواتهم الطائلة ماداموا بعيدين عن منهج
الحق الذي جاء به صاحب الذكرى العطرة.
كما يجب ان تكون ذكرى لكل مؤمن يتذكر فيها حاله مع الله عز وجل وموقعه عن ما أمره الله عز وجل به “يَا أيُّها الذّينَ آمَنوُا
إتّقوُا اللهَ وَكوُنوُا مَعَ الصَادقين”.
إنها ذكرى ولادة أعز من في الوجود سيد ولد آدم الرحمة المهداة الشفيع لنا يوم القيامة نسأل الله لأمتنا العافية وحياة القلوب
المتشوقة إلى حب الله ورسوله والإلتزام بنهجه وشرعه والتوحد تحت كلمته وتحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله). ولابد
العرب والمسلمين أن يرجعوا للنبع المحمدي الصافي ويغادروا كل عوامل التفرق والتشرذم والخلاف التي يغذيها أعداؤهم من
طائفية وعرقية.. وعصبية جاهلية مقيتة وليستلهموا من هذه الذكرى العطرة ومن صاحب الذكرى المعاني والعبر التي تعينهم
على تجاوز محنهم وإخفاقاتهم ويعودوا إخوانا متحابين كما أمرهم الله ورسوله.
كما أن العرب والمسلمين مطالبون بأن يجعلوا من ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة لجمع الشمل والتوحد من أجل
مستقبل أفضل تحت خيمة الوطن الواحد والهوية الوطنية الجامعة وأن ينبذوا الخلافات والشقاقات التي يبثها ويزرعها أعداء
الوطن وأن يعملوا لإنقاذ بلدهم وإعادته حراً كريماً موحداً ينعم أهله جميعا بالرخاء والحياة الطيبة والإرادة الحرة…
ذكرى المولد النبوي ليست مجرد مناسبة لمولد (إنسان عظيم) فحسب بل إنها ذكرى (مولد أمة) فبولادته عليه الصلاة
والسلام ولدت أمة العرب من جديد لتقود العالم وتنشر الفضيلة والعدل والسلام وتحارب الظلم والطغيان وترفع شعار الفاروق
الخالد (مَتىَ أسْتَعْبَدْتُمْ النْاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أمّهْاتُهُمْ أحْرَاراً؟) أمة لا تفرق ولا تظلم ولا تضطهد وماهي إلا عقود قليلة من ولادة
المصطفى حتى إرتفعت راية (لاإله إلا الله) في أرجاء الجزيرة العربية وفوق بلاد فارس وعلى تخوم الروم وفي شمال أفريقيا
ودخل الناس عن طواعية ورضا وإقتناع في الدين الإنساني الجديد الذي رفع شعار ((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ