عندما نتعمق في تراثنا الشعبي العربي نجد ملاحم وحكايات شعبية خلدها العقل الجمعي العربي دون أن نعرف من كتبها بل تواترت إلينا بالسماع رواية يحمل رايتها كل جيل ويسلمها للجيل الذي يليه لتترسخ في الوجدان العربي وفي ضمير الأمة.
هذه القصص الشعبية تلجاء إليها الشعوب وقت الشدائد والمحن كنبراسٍ ومصباحٍ مضيء لها لقهر مآسيها والتغلب علي الآمها ،وجبة دسمة يقف أمامها التاريخ دون أن يعترض طريقها كقصة علي الزيبق ،وألف ليلة وليلة ،وأبو زيد الهلالي ،وعنترة بن شداد وغيرها من القصص والروايات التي تظل محفورة في ذاكرة الشعوب ولاأحد يجرؤ علي التشكيك فيها أو المساس بها أو إنكارها.
من هذه الحكايات حكاية شعبية فلسطينية بسيطة ولكنها استوقفتني ووقفت أمامها مدهوشاً فكأنها كتبت اليوم تعبر عن حالنا الآني مع العدو الصهيوني المتبجح الذي سرق الأرض والعرض والمقدسات ويدعي المظلومية والبراءة يلتهم الأرض ويحاصر أصحابها ويقتلهم بدم بارد على مسمع ومرآي العالم ويدعي أنهم إرهابيون كحال النساج الفلسطيني بطل قصتنا الشعبية وهذا اللص.
تقول الرواية:ذات مساء انتهي النساج من عمله اليومي فأغلق دكانه وترك إبرة طويلة مغروسة في النول.
وفي الليل تسلل لص تعيس ليسرق الدكان وفتح الباب بمفتاح من عنده وفي عتمة الليل أخذ يبحث عن شئ ليسرقه فدخلت الإبرة التي تركها النساج في عين اللص ففقأتها.
أغلق اللص باب الدكان وخرج خالي الوفاض.
في اليوم التالي شكا اللص أمره إلي الحاكم.
أمر الحاكم بإحضار النساج وعندما حضر النساج سأله الحاكم هل تركت إبرة طويلة في النول عندما غادرت دكانك أمس؟
النساج نعم.
الحاكم هذا اللص المسكين فقد عينه بسبب إهمالك لقد كان يحاول سرقة دكانك وعندما أحني رأسه انغرست الإبرة في عينه.
هذا اللص المسكين فقد عينه بسبب غلطة منك(!)
لذلك ستفقد عينك بذات الطريقة(!)
النساج ولكن اللص جاء ليسرق دكاني وليس من حقه أن يدخل بالليل؟
الحاكم نحن الآن ننظر فيما حدث وفوق ذلك فاللص لم يكسر باب دكانك ولم يسرق منه شيئاً ولم يسبب أي ضرر لك والعدالة تقتضي أن تخسر عينك جراء إهمالك(!)”