لقد اقتضت قدرة الله تعالى على أن يكون البشر من الجنسين ، متكاملان،، ومتعاوِنان، ولا يختلف اثنان
على أن الذكر والأنثى هما الركيزة الأساسية في بقاء النوع البشري الذي به عمارة الأرض قال الله
تعالى هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا
، وأنه كما يقال: “لولا الذكر والأنثى لانقطعت الحياة ، وما استمرت
ومن خلال الزواج يستطيع الإنسان أن يحافظ على النوع البشري من الانقراض
(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ) فالبشر شُعوب، وقبائل، وكلّ شعب له عاداته وتقاليد تختلف من
شعب لآخر وبيئة ولغة وشَكله، ويمكن القول أن أشكال الشعوب ولغتهم تختلف من بلد لبلد
(لتعارفوا} يقول ابن كثير كما يقال فلان ابن فلان من قبيلة كذا وكذا
(إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} ، أي إنما تتفاضلون عند اللّه تعالى بالتقوى لا بالأحساب هذا هو المِقياس الحقيقي الذي يتمايَزُ به البشر عند ربِّهم، فلا تقل أنا ابن فلان وانا وضعي كدا او مكان في البلد وبين السادة كدة
أنا حجمي المالي كذا ؛ كُلُّ هذه المقاييس عاداتٌ جاهِلِيَّة، ويُروى
يروى أن سيدنا عمر جاءه ملِك من ملوك الغساسنة مسلماً، رحب به أشد الترحيب.
كان الموسم موسمَ حج، وفي أثناء طواف الملك حول الكعبة، بدوي من فزارة داس طرف ردائه، فالمِلك لم يحتمل هذا، فالتفت نحوه وضربه ضربة هشمتْ أنفه.
هذا البدوي ليس له إلا عمر، ذهب إليه ليشكو هذا الملك الغساني جبلةَ ابن الأيهم، فاستدعى عمر جبله، وقال: أصحيحٌ ما ادَّعى هذا الفزاري الجريح، قال: لست ممن ينكر شيئاً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي، قال عمر: أَرضِ الفتى، لا بد من إرضائه، فمازال ظفرك عالقاً بدمائه، قال له: وإن لم أفعل ؟ قال له: يُهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلت كفك.
قال له كيف ذاك يا أمير المؤمنين ـ ما هذا الكلام ـ هو سوقة، وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاً ؟ قال له: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، وأقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا، فقال جبله: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، فقال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالَمٌ نبنيه، كلُّ صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى
فالإسلام يسوي بين جميع الناس في الحقوق والواجبات والمساواة أعظم طريق لتقدم ومن أين يأتي التقدم ونحن غافلون عن تحقيق المساواه فلا تقدم إلا إذا جعلنا قول الله تعالى مقياس لنا قال تعالى: إنا أكرمكم عند الله أتقاكم فلا نفرق بين غنى وفقير ولا عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى الكل سواسية يقول النبي صلى الله عليه وسلم أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى
أن البشر متساوين فيما بينهم، أي: لا يوجد إنسان يتميز عن خيرة من ألناس، عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى الله مِنْ الجُعْلاَنِ)
وعن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَسَبَّةٍ عَلَى أَحدٍ، كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَئُوهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بِدِينٍ أَوْ تَقْوَى، وَكَفَى بِالرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ بَذِيًّا بَخِيلا فَاحِشًا)
ان حق المساواة هو حق أساسي في المجتمع الذي نعيش فيه ودرجت المساواة عند الله هي التقوى ليست بالحسبِ و النسبِ ، ولا الجاهِ والمنصبِ ، والرتبِ
فالإسلام كان حريصا على أن تكون المساواة في أكمل صورها فقرر أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات فلا فضل لأحدهم على الآخر إلا في الأعمال قال الله تعالى
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ وعندما نقول المساواة تكون العبارة شاملة في مدلولها ومعانيها يعني مساواة الفقير والغني الأبيض والأسود القوي والضعيف… فقد سمع الرسول الأمين، أبا ذر الغفاري يحتد على بلال وهو يحاوره قائلا له: يا ابن
السوداء. فغضب عليه السلام غضبا شديدا وانتهز أبا ذر وقال (طف الصاع طف الصاع) أي أن الأمر تجاوز حده “ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح” فوضع أبو ذر خده على الأرض وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته ويكفر ذنوبـــــه
والذي يؤكد هذه المساواة النص القرآني الصريح الذي نقله من سورة النساء “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا”.
والقرآن الكريم يتضمن آيات كثيرة كلها تحث المؤمنين على مبدأ المساواة وفي ذلك يوجه القرآن الخطاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمساواة فيقول الله تعالى : “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما..”.