حفظ الله تعالى
اسلام محمد
روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))صحيح الترمذي” (2440)، وصححه الألباني في “المشكاة” (5302)
وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)) قال الهيثمي في “المجمع” (11094): رواه الطبراني، وفيه علي بن أبي علي القرشي وهو ضعيف.
وحفظ الله عز وجل: أن تحفظ حدود الله عز وجل وأن تحفظ حقوقه، وأن تحفظ أوامره ونواهيه، فالواجب على العبد عباد الله أن يحفظ الله عز وجل كما قال جل في علاه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238]. وقال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: “وجهُ كونِ الصلاةِ تنهى عن الفحشاء والمنكر أنَّ العبدَ المقيمَ لها، المتممَ لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنيرُ قلبُه، ويتطهر فؤادُه، ويزداد إيمانُه، وتقوى رغبتُه في الخير، وتقلّ أو تُعدم رغبتُه في الشر، فبالضرورة مداومتُها، والمحافظةُ عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها” (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 632)). فمِن حفظِ الله عز وجل: أن تحافظ على الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مَن حافظ عليها؛ كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها؛ لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة))أحمد (6288) بإسناد حسن، وقال الهيثمي في “المجمع”: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات.
ومن ذلك: حفظ الطهارة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) ابن ماجه (273) من حديث ثوبان رضي الله عنه وصححه الألباني في “الإرواء” (412).
ومن ذلك: أن يحفظ الرأس وما وعى، وأن يحفظ البطن وما حوى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، وأن تحفظ البطن وما حوى)) الترمذي (2382) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وحسنه الألباني في “المشكاة” (1608).
من ذلك: حفظ الفرج، كما قال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 5] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يحفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) البخاري (5993) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ: ((من يضمن لي))، ورقم (6309) بلفظ: ((من توكل لي))، والترمذي (2332) بلفظ: ((من يتكفل لي))، ورقم (2333) بلفظ: ((من وقاه الله)).
وكذلك مَنْ حافظ على الأوراد والأذكار في الصباح والمساء وبعد الصلوات المكتوبة وغير ذلك، فإنَّ الله يحفظه، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “وَبِالذِّكْرِ: يَصْرُعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ الْقَلْبِ فَإِنْ دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ صَرَعَهُ كَمَا يَصْرَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ” (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 396)).
فمَن حفظَ الله عز وجل في سمعه وبصره ولسانه وفرجه، وحافظ على حدود الله عز وجل وحافظ على حقوق الله عز وجل وحافظ على أوامر الله عز وجل بأن يؤديها، وحافظ على حدود الله عز وجل فلا يقع فيها – كان جزاؤه من الله عز وجل الحفظ، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وكما قال عز وجل: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]؛ فالجزاء من جنس العمل.
فاللهُ حافظٌ عبدَه ما دام ذلك العبدُ محافِظًا على أمره به ربُّه، قال الإمام ابن عثيمين -رحمه الله- عند هذا الحديث: “هذه كلمة عظيمة جليلة، واحفظ تعني: احفظ حدودَه وشريعتَه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوِّم به عبادتَكَ ومعاملاتَكَ، وتدعو به إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واحفظ الله يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- يجزي المحسنين بإحسانه، وأهمُّ هذه الأشياء هو أن يحفظَكَ في دينك ويُسلِّمك من الزيغ والضلال؛ لأنَّ الإنسان كلما اهتدى زاده الله -عَزَّ وَجَلَّ- هدًى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)[محمد: 17]، وعُلِمَ من هذا أن من لم يحفظ الله، فإنَّه لا يستحق أن يحفظه الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله -عَزَّ وَجَلَّ-” (شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 201)).
: فإن الله يحفظ عبدَه في نومه وفي يقظته وفي سفره وإقامته، ويحفظه في ذهابه وإيابه ، ويحفظه من أمامه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن بين يديه، ويحفظه من المكائد والشرور، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج: 38]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: “هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من الله للذين آمنوا، أن الله يدافع عنهم كلَّ مكروه، ويدفع عنهم كلَّ شر -بسبب إيمانهم- من شر الكفار، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غايةَ التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافَعَة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقلّ ومستكثِر” (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 539)).
حفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:
أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله عز وجل: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11].
النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان.
وفي الجملة، فإن الله عز وجل يحفظ على المؤمن الحافظ لحدود دينه، ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ، وقد لا يشعر العبد ببعضها، وقد يكون كارها له، كما قال في حق يوسف عليه السلام: ﴿ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24][ جامع العلوم والحكم/ ت: الأرنؤوط (1/ 465).
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله تجده تجاهك). دليل على إثبات معية الله لعبده فمن حفظ حدود الله وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون).
والمعية الواردة في النصوص قسمان:
1-معية خاصة وهي المذكورة في قوله تعالى لموسى وهارون: (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى). وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الغار: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا). متفق عليه. وهذه المعية تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة وهي خاصة بأولياء الله وأهل طاعته.
2- معية عامة وهي المذكورة في قوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا). وهذه المعية تقتضي علمه واطلاعه ومراقبته لأعمال العباد فهي مقتضية لتخويف العباد وتحذيرهم وهي عامة للمؤمن والكافر والبر والفاجر.