جسم الأنسان ومعجزات الله “
bwabt1
24 أغسطس، 2019
المقالات
331 زيارة
كوثر أحمد عبد الرحيم
هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه .. ومجموع المواسير داخل
العمارة التي هي بدنه ، بما فيه من آلاف الوصلات و المجاري التي يجري فيها الدم
و البول و الطعام و الفضلات و عوادم التنفس و الهضم ،
هل يعلم أن طول مواسير الدم في جسمه تبلغ وحدها ثمانية آلاف ميل أي أطول
بكثير من المسافة بين القاهرة و الخرطوم .. مواسير أكثر ليونة من الكاوتشوك ، و
أكثر متانة من الحديد ، و أطول عمراً من الصلب الكروم ، و في بعضها صمامات
لا تسمح بالسير إلا في اتجاه واحد ،
ثم مواسير الهواء ابتداء من فتحة الأنف إلى الحلق إلى القصبة الهوائية إلى
الشعب ثم الشعيبات التي تتفرع و تتفرع و تنقسم حتى تصل إلى أكثر من مليون غرفة هوائية في الرئتين ،
ثم مواسير البول التي تجمع البول من الكليتين لتصب في الحوض
ثم الحالب ثم المثانة ثم قناة الصرف النهائية ،
ثم مواسير الطعام من الفم إلى البلعوم إلى المعدة إلى الاثنا عشر إلى الأمعاء الدقيقة
،
ثم مواسير الفضلات من المصران الصاعد إلى المستعرض إلى الهابط إلى المستقيم إلى الشرج ،
ثم ممرات الولادة و غرفها و دهاليزها و
أنابيبها ،
ثم مجاري المرارة و حوصلتها و مواسيرها ،
ثم مجاري الليمف .. و مواقف الليمف و محطاته في الغدد الليمفية ،
و هي مواسير تمر إلى جوارها الفضلات و تحميها شبكة من الأوعية الدموية و
الأعصاب ، و جيوش من خلايا المقاومة تلتهم أي ميكروب يمكن أن يتسرب
من هذه المواسير في طريق خاطئ إلى الجسم ،
و أنابيب العرق .. و بلايين منها تشق الجلد و تفتح على سطحه لترطبه و تبرده بالعرق ،
و أنابيب الدموع داخل حدقة العين تغسل العين و تجلوها ،
و أنابيب التشحيم داخل جفن العين تفرز المواد الزيتية لتعطي العين تلك اللمعة
الساحرة ،
هذا الكم الهائل من السباكة الفنية الدقيقة المعجزة التي تعيش مائة سنة و لا تتلف
،
و إذا أصابها التلف أصلحت نفسها بنفسها
نموذج من الهندسة الإلهية العظيمة التي أهداها الله للإنسان منحة مجانية منذ
ميلاده و تولى صيانتها برحمته و عنايته .
فهل أدركنا هذه النعمة و هل قدرناها حق قدرها …!
و كثير من الأمراض سببها أعطال و تلفيات في هذه السباكة .
الإسهال و الإمساك و الغازات و تطبل
البطن ، هي أعطال و تلفيات في أنابيب صرف الفضلات و الزكام انسداد في
منافذ الهواء داخل الأنف .
و الناسور هو ثقب في ماسورة الإخراج .
و احتباس البول و المغص الكلوي
و آلام الكلى سببها أعطال في أنابيب صرف البول ،
إن تركيبات (( الصحي )) في جسمك هي التي تصنع لك صحتك بالفعل
بل هي صحتك ذاتها .. إن أي انقباض
في ماسورة معوية يساوي صرخة مغص ، و أي ضيق في شريان القلب التاجي
يساوي ذبحة ، و أي ضيق في ممرات الولادة يساوي إجهاضاً و أي انسداد في
قنوات فالوب يساوي عقماً و أي انسداد في مجاري المرارة يساوي صفراء .
هذا غير مجاري الليمف و الدم و الغدد
، و هي تتنوع في الجسم بالآلاف ، و لكل غدة توصيلاتها و قنواتها و نظامها و دورها في صناعة الصحة التي نتمتع بها دون
أن ندري أنها عملية تركيبية معقدة تشترك فيها مئات الأجهزة .
إن الصحة التي نشعر أنها مجرد استطراد لأمر عادي واقع .. ليست بالمرة أمراً عادياً
و ليست مجرد واقع مألوف ، و إنما هي نتيجة تدبير محكم و ثمرة عمليات
معقدة مرسومة بعناية و قصد . و إنما يحدث المرض حينما تتخلف هذه العناية
و هي قلما تتخلف .. فإذا تخلفت فـلتشرح لنا أسرارها .. فما عرفنا معجزة الصحة
إلا بدراسة المرض ، و ما عرفنا معجزة الحياة إلا بالموت .. و بأضدادها عُرِفـَت
الأشياء .
وفي محاولاتنا البدائية في بيوتنا وعماراتنا التي نبنيها وهي مجرد
ماكينات رمزية صغيرة لا تصل إلى واحد في المليون من العمارة البشرية
..
غرقنا في ” شبر ميه ” ..
طفحت مجاري القاهرة ، وتلوث البحر بعوادم المصانع ، واختنق النيل
بالفضلات التي تُلقى فيه ، ووقفنا أمام السيفون التالف ننادي على سباك
، واختلط الساخن بالبارد والطاهر بالملوث ، وفشلنا في صناعة أصغر ماكيت
سباكة لا تزيد مواسيره على بضعة أمتار ، وغرقنا في بانيو نصف متر ..
وهذه صناعتنا وتلك صناعته ..
وهذه سباكتنا وتلك سباكته ..
وهذه عمارتنا وتلك عمارته ..
وهذا خلقنا وذاك خلقه .
” *فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ* ”
المؤمنون ( 14 )
و كأنما يتحدانا الله بصنعته المبهرة و آياته الخالدة في عمارة الجسم البشري :
{ *قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً* }الإسراء 88
و هو تحد ينسحب على كل آية من آيات الله .. في الكتاب .. أو في الآفاق
..
أو في أنفسكم .
و النفس كُبرى المعجزات .
مقال : الصانع العظيم للــ د. مصطفى محمود رحمه الله ..
من كتاب : الإسلام ..و ماأعظمه …
مرتبط
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.