الصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ فقد ورد في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ( وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) صحيح الجامع إن العبد إنما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ والمنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول : « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً،
ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً و صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي عن ذلك بقوله: « ما نقصت صدقة من مال ولا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به كما في قوله تعالى:« وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ» ولما سأل النبي عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال: « بقي كلها غير كتفها
والله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل:« إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ». وقوله سبحانه:« مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»
كما ان المتصدق يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: « من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان { قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: نعم وأرجو أن تكون منهم
وفي الصدقة الدليل على صدق الإيمان وانشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره ، ولو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل