العصا البيضاء رمز الاستقلالية والتواصل مع العالم
علاء حمدي
بقلم د – خالد السلامي
15-10-2024
في كل عام، يُخصص يوم الخامس عشر من أكتوبر ليكون اليوم العالمي للعصا البيضاء، وهو يوم يعبر عن أحد أهم الرموز في حياة المكفوفين. تلك العصا البسيطة التي نراها قد تحمل دلالات أعمق بكثير، إذ تمثل الحرية، الاستقلالية، والتواصل مع العالم الخارجي. العصا البيضاء ليست مجرد أداة تساعد المكفوفين على التنقل، بل هي وسيلة لتحقيق توازن في حياتهم الاجتماعية والنفسية، وكذلك رمز للتحدي والإرادة. في هذا اليوم، يتم تسليط الضوء على حقوق المكفوفين وأهمية منحهم القدرة على التحرك بحرية وأمان.
العصا البيضاء: أكثر من مجرد أداة
عندما يُذكر مصطلح “العصا البيضاء”، يتبادر إلى الذهن أداة بسيطة تساعد الأشخاص المكفوفين على التعرف على البيئة المحيطة. لكن في الحقيقة، العصا البيضاء تمثل رمزاً عميقاً للمكفوفين حول العالم. فهي تعطيهم الإحساس بالحرية والقدرة على الاعتماد على أنفسهم دون مساعدة الآخرين. إنها ليست فقط وسيلة للتنقل، بل أداة تُترجم الحواس إلى حركة، تُعلم المكفوفين عن مكانهم، وتُحذرهم من العوائق، وتُمكنهم من التواصل مع البيئة المحيطة بشكل فعّال.
التحديات التي تواجه المكفوفين
يواجه الأشخاص المكفوفون العديد من التحديات اليومية التي قد لا يدركها الآخرون. من التحرك في الشوارع المكتظة إلى التعامل مع وسائل النقل العامة، تتعدد العقبات التي تعترض طريقهم. العصا البيضاء تسهل عليهم التغلب على بعض هذه التحديات، ولكنها لا تحل كل المشاكل. من هنا يأتي دور المجتمعات والحكومات في تقديم الدعم اللازم.
التوعية بهذه التحديات تعتبر جزءاً أساسياً من اليوم العالمي للعصا البيضاء. يتم في هذا اليوم نشر الوعي حول القوانين التي تدعم حقوق المكفوفين، مثل القوانين التي تُلزم السائقين بمنح المكفوفين الأولوية عند عبور الطريق، والقوانين التي توفر لهم التسهيلات في الأماكن العامة.
الإمارات ودورها في دعم المكفوفين
دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم نموذجاً متميزاً في دعم الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم المكفوفون. فهي تعمل على تقديم كل ما يلزم من دعم، سواء من خلال البنية التحتية أو التشريعات، لضمان حصول المكفوفين على حقوقهم كاملة. في إطار التزامها بتعزيز حقوق ذوي الإعاقة، أنشأت الإمارات مؤسسات ومبادرات متخصصة لدعم المكفوفين، مثل مؤسسة “زايد العليا لأصحاب الهمم” التي تقدم برامج تعليمية وتدريبية وخدمات تأهيلية تساعد المكفوفين على الاندماج في المجتمع وتحقيق إمكانياتهم.
كما لعبت الإمارات دوراً ريادياً في تحسين وصول المكفوفين إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة. من خلال التطبيقات الذكية والخدمات الرقمية، يمكن للأشخاص المكفوفين الآن الاستفادة من هذه الوسائل للتنقل والتواصل بسهولة أكبر. على سبيل المثال، تُستخدم تطبيقات الهواتف الذكية التي تعتمد على تقنيات التعرف الصوتي وتوجيه الحركة، مما يُمكّن المكفوفين من الاعتماد على أنفسهم في التنقل.
المبادرات الإماراتية لتعزيز استقلالية المكفوفين
في السنوات الأخيرة، شهدت الإمارات إطلاق العديد من المبادرات التي تعزز من استقلالية المكفوفين وتدعمهم في مختلف جوانب الحياة. على سبيل المثال، تقدم الجهات الحكومية والشركات الخاصة تسهيلات للمكفوفين في أماكن العمل، وذلك من خلال توفير بيئات عمل مهيأة بتكنولوجيا مخصصة تلبي احتياجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، تم تعديل الكثير من البنية التحتية في المدن الكبرى مثل أبوظبي ودبي والشارقة لتصبح أكثر توافقاً مع متطلبات المكفوفين، بما في ذلك تحسين طرق المشاة وتوفير الإشارات الصوتية على التقاطعات.
التكنولوجيا الحديثة والمكفوفون: نافذة نحو عالم جديد
مع التقدم التكنولوجي، باتت التكنولوجيا تمثل أملاً جديداً للمكفوفين. فمن خلال الأجهزة الذكية، تمكن المكفوفون من تجاوز الكثير من القيود التي كانت تفرضها إعاقتهم. الهواتف الذكية، على سبيل المثال، لم تعد مجرد وسيلة للتواصل، بل أصبحت أداة قوية للمكفوفين تمكنهم من قراءة النصوص، وتصفح الإنترنت، والتفاعل مع التطبيقات المختلفة بسهولة.
كما أن التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي قدمت فرصاً جديدة للمكفوفين. التطبيقات التي تعتمد على تقنيات الرؤية الاصطناعية تمكنهم من التعرف على الأشياء حولهم، والتفاعل مع العالم المحيط بهم بطرق لم تكن ممكنة من قبل. في دولة الإمارات، تم تطوير بعض هذه التطبيقات لتكون متاحة باللغة العربية، مما يسهم في تقديم دعم أكبر للمكفوفين في المنطقة.
التحديات القادمة: ما هو المطلوب؟
على الرغم من كل هذه الجهود والمبادرات، لا يزال هناك الكثير مما يمكن القيام به لدعم المكفوفين في جميع أنحاء العالم. التكنولوجيا توفر حلولاً، ولكن الوصول إليها قد يكون محدوداً لبعض الفئات بسبب التكلفة أو قلة الوعي. هنا يأتي دور الحكومات والمؤسسات في توفير هذه التقنيات بشكل مجاني أو بتكلفة معقولة لجميع المكفوفين.
كما يجب تعزيز التوعية المجتمعية حول حقوق المكفوفين وأهمية دعمهم. اليوم العالمي للعصا البيضاء هو فرصة لتسليط الضوء على هذه القضايا، ولكنه يجب أن يكون نقطة انطلاق لمزيد من العمل على مدار العام.
خلاصة
اليوم العالمي للعصا البيضاء ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو دعوة للعمل والتعاون من أجل بناء مجتمعات شاملة تستطيع فيها جميع الفئات العيش بكرامة واستقلالية. الإمارات تقدم نموذجاً ملهماً في هذا المجال، ولكن الطريق لا يزال طويلاً. الابتكار والتكنولوجيا يمثلان مفتاحاً لمستقبل أفضل للمكفوفين، ولكن يبقى الوعي المجتمعي والدعم الحكومي حجر الأساس لتحقيق هذا الهدف
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي. عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي