الزواج المبكر … سلبيات وأضرار
تحقيق -سماح السيد :
الزواج بشكلٍ عام يقوم على التوافق والود والاحترام والحب المتبادل، ليس بين الزوج والزوجة فحسب، وإنما بين عائلتيهما أيضاً، لأنّ العلاقة التوافقيّة ليست مقصورة على الشاب والفتاة المقبلين على الزواج وحدهم، بل تمتد لتشمل الأب والأم والإخوة والأخوات لكلٍ منهما، والأصل في هذه العلاقات أن تكون مبنيّة على الحب والعلاقات الاجتماعيّة الراقية، لذلك يجب أن يكون الاختيار دقيقاً ومناسباً، لتجنّب الوقوع في المشاكل المستقبليّة، لأنّ المشاكل تمس عائلتين كاملتين، وتؤثّر في العلاقة بينهما، التي قد تؤدّي للقطيعة الأبدية في حال حدوث أية مشاكل أو انفصال، وربما من أكثر أسباب المشاكل التي تحصل بين الأزواج، هو زواجهم في عمرٍ صغير، وهم غير مدركين تماماً للحياة المستقبلية، وليس لديهم تصوّر واضح عنها، ولم تستقرّ مشاعرهم القلبية تماماً، ولم تنضج شخصيّاتهم، مما يشعرهم فيما بعد بالندم للإقدام على هذه الخطوة في عمرٍ مبكر. يوصف الزواج بأنه زواجٌ مبكّر، إذا كان في عمر أقل من ثمانية عشر عاماً بالنسبة للشاب والفتاة، وهو عمر صغير نسبيّاً، خصوصاً للفتاة، وتقع الفتاة أو الشاب وخصوصاً الفتيات في معظم الأحيان في فخ الزواج المبكر، نتيجة الأفكار البالية التي تنادي بها بعض المجتمعات، ونتيجة للعادات القبليّة، التي تدور حول الحفاظ على شرف الفتاة وعذريّتها، بتزويجها فور بلوغها، فيجبرونها على الزواج من أول شخصٍ يطرق باب البيت طالباً إياها.
تعريف الزّواج المبكر
حسب اتّفاقية حقوق الطّفل، فالطّفل هو كلّ من لا يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً، ولم يبلُغ سنّ الرُّشد، وقد أكّد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان على الحقّ الكامل للرجل والمرأة بالزّواج وتأسيس أسرة، متى ما بلغا السنّ القانونّي.
تعريف الزّواج المبكر من وجهة نظر القانون في الدّول التي تُصادق على اتّفاقيات حقوق المرأة والطفل، هو زواج الأطفال تحت سنّ 18 سنةً، فإنّ الفقرة الثانية من المادة 16 من اتّفاقية القضاء على جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة (سيداو) تنصّ على أنّ خطوبة الأطفال وزواجهم ليس لهما أيّ أثرٍ قانونيّ، كما يجب أن تتّخذ الدول الإجراءات التشريعيّة جميعها؛ لتحديد سنٍّ أدنى للزّواج، وتسجيله في سجلٍّ رسميّ، وخَرْقُ هذا البند يتمّ إذا كان أحد الزّوجين دون سِنّ الثامنة عشرة، ولم يكتمل نموّه الجسديّ، وبهذا يُعدّ زواجهما قانونيّاً زواجَ أطفال.
الزّواج المبكر في الإسلام
حثّت الشريعة الإسلاميّة الشباب المقتدرين على الزّواج وتكوين الأسرة؛ فقد قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (يا معشرَ الشبابِ! من استطاع منكم الباءةَ فليتزوّجْ؛ فإنّه أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومن لم يستطعْ فعليه بالصّومِ، فإنّه له وجاءٌ).
وللشّريعة الإسلاميّة مقاصد متعدّدةٌ في ذلك، منها: عفّة النّفس، ونأيها عن الوقوع في الحرام، وحفظ النّوع الإنسانيّ، وحفظ النّسب والنّسل ورعايته، وارتياح النفس وسعادتها واستقرارها.
يُفرّقُ الإسلام بين مسألتي: جواز العَقد، وجواز الوَطء؛ إذ يجوز العقد على من لم تبلغ السنّ القانونيّ، لكن لا يجوز الوطء أي الزّواج أو النّكاح إلاّ إذا كانت تتحمّل ذلك، وقد جعل الله تعالى الزّواج مُستنداً على البلوغ، وورد ذلك في قوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وعليه فإنّ الإسلام لم يُشجّع الزّواج المُبكر، لكنّه سمح به إذا بلغ الطفل أشدّه، وأمّا عكس ذلك فهو لا يزالُ طفلاً في نظر الشّريعة الإسلاميّة.
أسباب الزّواج المُبكر
تتعدّد الأسباب التي تدفع الآباء لاختيار الزّواج المُبكر لأبنائهم، وعلى الرغم من عدم جوازه إلاّ أنّه ينتشر بكثرةٍ في بعض المُجتمعات والدّول، ومن أهمّ هذه الأسباب ما يأتي: تكريس الدور النمطيّ للمرأة، وهو أنّ عملها الرئيسيّ يجب أن يكون تكوين الأسرة وتربية الأطفال، وأنّها يجب أن تتولّى هذا الدّور مُبكرًا لضمان نجاحه، وفق معايير يضعها المُجتمع، وغالباً لا يكون للفتاة رأيٌ فيه.
الوضع الاقتصادي السيِّئ للأهل، والذي قد يعدّه كثيرون مُبرّرًا كافياً لتزويج الفتيات؛ إذ يتعرّض الأهل إلى إغراءات ماليّة من جهة الزّوج، فيعدّ البعض هذا الزّواج صفقةً ناجحةً.
الذهنيّة التقليديّة التي ترسم معايير مُحدّدةً للفتاة، وتُعزّز فكرة الزّواج المُبكر، وحصر الزّواج على صغيرات السنّ، واعتباره الإنجاز الأهمّ لأيّة فتاة.
الصّورة السّائدة في المجتمع عن النساء اللواتي يتأخّرن في الزّواج، وقلّة حظوظهنّ، ممّا يُساهم في زيادة خوف الأهل، ورغبتهم بتزويج الفتيات في سنٍّ مُبكرة؛ تفادياً لتأخّرهنّ في الزّواج. وجود بعض التيّارات الدينيّة والمُجتمعات التي تُشجّع الزّواج المُبكر؛ بناءً على تعاليم دينيّة، أو أعراف وتقاليد مُعيّنة.
انتشار مفاهيم، مثل: السُّترة، والعنوسة، والشّرف، وإلصاقها بالفتاة، واعتبار الزّواج هو الإطار الحامي لشرف العائلة، وضمان سلامة الفتاة من أيّ انحرافٍ أخلاقيّ قد يُسيء إلى سُمعة العائلة، ووضعيّتها الاجتماعيّة.
إيجابيّات الزّواج المبكر
يرى البعض أنّ هُناك أموراً تُعدّ إيجابيةً في الزّواج المُبكر، أو ما تُسمّيه بعض الدول زواج الأطفال، أبرزها ما يأتي: إزالة الخوف من العنوسة. زيادة فُرص الخصوبة والإنجاب؛ إذ كُلّما زاد سنّ الفتاة قلّت خصوبتها، وبذلك تقلّ فُرصُها في الحمل والإنجاب. تقليل الزّواج المُبكر فرق العُمر بين الآباء والأبناء، وقد يزيد ذلك نسبة التفاهم والانسجام بينهم، ورؤية الأهل أطفالَهم وهم يُكوّنون أُسرًا وينجبون أطفالاً. الحدّ من تفشّي حالات المُعاشرة قبل الزّواج في المُجتمع.
سلبيّات الزّواج المُبكر
رغم اعتبار بعض ما سبق ايجابياً للأفراد والمجتمعات، إلا أنّ ذلك لا ينفي عدم قانونيّته؛ ففي المُقابل هناك العديد من السلبيّات للزّواج المُبكر، ولا يُمكن تلخيصها في مجموعة نقاطٍ، لكنّ أبرزها هو الآتي:
عدم نضج الزّوجين؛ فمن الممكن أن يكونا غير قادرَين على تحمُّل المسؤوليّة، وبناء أسرة، وتربية الأطفال، وتحمُّل كامل الأعباء النفسيّة والاقتصاديّة المُترتّبة على ذلك.
صغر سن الزّوجين أو أحدهما قد يَحُدّ من قدرتهما على التعامل مع الطّرف الآخر وعائلته ومجتمعه، وفهم تقاليده وعاداته.
حرمان الفتاة في كثيرٍ من الحالات من فرصة استكمال تعليمها، وبهذا لن تكون قادرةً على تكوين شخصيّتها المُستقلّة نفسيّاً واقتصاديّاً.
الزّواج المُبكر قد يُعرّض الفتاة إلى العديد من المشاكل الصحيّة؛ بسبب ضعف جسدها قبل الحمل وأثناءَه، وقد يكون من الصّعب عليها أن تحتمل هذه التّجربة في سنٍّ صغير.
آثار الزّواج المُبكر
تترتّب على الزّواج المُبكر عدّة آثار تمسّ حياة الزّوجين، خاصّةً الفتاة، منها: الحرمان من حقّ التّعليم، والذي يُعدّ حقاً أساسيّاً للفرد، وله دور أساسيّ في بناء شخصيّته ونموّه وتطوّره، ويبني أسرةً مُتكاملةً صغيرة العدد، ويساهم في زيادة الإنتاجيّة.
الحرمان من الحقّ في العمل، ممّا يُسهم في تأخّر التنمية، وربّما تعطيل فئة مُعيّنة من المُساهمة في بناء المُجتمع، وعدم استقلاليّة الأفراد الاقتصاديّة، ممّا يجعل الإنسان في وضعيّةٍ تابعةٍ عاجزةٍ عن اتّخاذ أيّ قرار.
الحرمان من حقّ السلامة الجسديّة؛ بسبب ما ينتج عن الحمل في سنّ مبكرة، وتكرار الإنجاب، وتأثير ذلك على الصحّة. الحرمان من حقّ النّماء، وبناء شخصيّة متوازنة؛ نتيجةَ انتهاك حقّ التّعليم.
الحرمان من حقّ الحماية؛ إذ يمكن أن تتعرّض الفتاة للإساءة أو الاستغلال. الحرمان من حقّ اتخاذ القرار؛ بسبب الزّواج بالإكراه، أي دون رضا الفتاة الكامل؛ إذ ليس لها القدرة على اتّخاذ القرار المُناسب بشأن مُستقبلها بالقبول أو الرّفض. انتهاك حقّ الكرامة الإنسانيّة؛ فقد تتعرّض الفتاة للعنف، وستكون أقلّ قدرةً على مواجهته؛ بسبب قلّة وعيها ونُضجها. جعل الفتاة في مرتبة مُتدنّية، عاجزةً عن اتّخاذ القرارات الخاصّة بأسرتها؛ إذ ينحضر دورها في الإنجاب، وربّما تكون غير قادرة على اتّخاذ أيّ قرار يخصّ أطفالها وأسرتها، ومستقبلهم.
تأثير الزّواج المُبكر على العلاقات الأسريّة في المُستقبل؛ إذ تزداد احتماليّة الطّلاق، وتعدّد المشاكل الأسريّة التي تنتج عن عدم نضج الفتاة ووعيها، أو نتيجة الفرق الكبير في السنّ.
طرق الحدّ من حالات الزّواج المُبكر
يجب أن يكون هناك أسس وتدابير واضحةٌ ومُتَّفقٌ عليها بين الدّول؛ لضمان الحدّ من حالات الزّواج المُبكر، والتأكيد على حصول الفتاة على كامل حقوقها كطفلةٍ، واتّخاذ إجراءاتٍ ضدّ الانتهاكات التي تحدُث في حقّها عن طريق ما يأتي:
تحديد أهداف وخطط، ورسم استراتيجيّات لمعالجة حقوق الأطفال، وفقًا لاتّفاقية حقوق الطفل، والقضاء على المواقف والممارسات الثقافيّة السلبيّة ضدّ الفتيات. إيجاد دعم اجتماعيٍّ؛ لإنفاذ القوانين الخاصّة بالحدّ الأدنى للزّواج، ولا سيّما عن طريق توفير فُرص التعليم للفتيات.
ضرورة وجود اهتمام جدّي بحقوق الفتيات، واتّخاذ الإجراءات التي تستلزم حمايتهنّ من الاستغلال بأنواعه المُختلفة.
تحقيق المُساواة بين الجنسين في سنّ مبكر، داخل الأسرة والمجتمع. كفالة مُشاركة الفتيات دون تمييز في الحياة الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة.
سنّ قوانين تكفل الحدّ من الزّواج المُبكر، ورفع الحدّ الأدنى لسنّ الزّواج إذا لزم الأمر، وإنفاذ هذه القوانين. إزالة العواقب جميعها التي تعترض تمكين الفتيات، وتشجيعهنّ على تطوير إمكانيّاتهنّ ومهاراتهنّ. إعادة النّظر في الوسائل التي تكفل للنّساء المتزوّجات مواصلة تعليمهنّ.
كلمة أخيرة
هناك الكثيرُ من المشاكل الثقافيّة الناتجة جرّاءَ التخلّف والتراجع في عقول بعض المجتعمات العربيّة، والتي عرفت منذ القدم كعصور الجاهليّة واستمرت حتّى وقتنا هذا، ومن أهمّ هذه المشاكل هي مشكلة الزواج المبكر، فبالرغم ممّا جاء به الإسلام من حثٍّ على إكرام المرأة وتكريمها إلّا أنّ هناك العديد من الأهالي المقتنعين بفكرة تزويج الفتاة في سنّ صغيرة، حيث يميلُ البعض إلى تزويجهنّ في مرحلة مبكّرة من حياتهن عادة ما تكون خلال مرحلة المراهقة، أي ما بين سن الثانية عشر والثامنة عشر. قد يكون الزواج المبكر أيضاً في سنٍ أدنى من ذلك كأن يكون في التاسعة والعاشرة من عمر الفتاة، دونَ مراعاة أيّ حق من حقوقها كطفلة قاصرة، ودون انتباه لما تحتاجه من اهتمام على الصعيد البدنيّ، والعاطفيّ، والنفسيّ في آن واحد، الأمر الذي يضعها تحت عبء كبير ويعرّضُها لمسؤوليّات أكبر من طاقتها كالحمل والإنجاب، الأمر الذي سيؤثّرُ سلباً على حالتها الصحيّة وعلى أطفالها أيضاً، كما أنّ هناك العديد من المشاكل الاجتماعيّة الذي يلحقها الزواج المبكّر بالفتاة كالفشل في الحياة الزوجيّة، والقدرة على اتخاذ القرار الصائب ممّا يؤدّي في نهاية المطاف إلى ارتفاع نسبة الطلاق.