العاصمة

الردايفة

0
الردايفة
بقلم: أحمد السندوبي
ليست الجينات وحدها هي من تحدد صفاتنا وسلوكنا، العوامل البيئية التي نتعرض لها تقوم بدور
كبير في تشكيل بنائنا النفسي وسلوكنا.
المشكلة أن الصفات السيئة التي لا تعجبنا والتي أثرت فينا بالسلب والتي غالبًا ما نستهجنها ونتذكر كم
الأذى الذي سببته لنا قد تنتقل إلينا دون أن ندري
.
الابن الذي كان يشكو من معاناته من معاملة أبيه القاسية يكبر لنكتشف أنه يعامل أبناءه بالمثل بداعي أن هذه هي الطريقة المثلى
لتربية الأبناء حتى لا ينحرفوا مثلما فعل معه أبوه.

الطالب الذي كان يشكو من المدرس الذي كان يعاقبه بقسوة ولا يقبل النقاش ولا يقبل أي إجابة تختلف عن إجابته، لاحقًا يصبح
الطالب مدرسًا ويمشي على خطا مدرسه بالضبط.

الشيخ الذي يحكي دائمًا عن مدى قسوة الشيخ الذي حفظ القرآن على يديه وعن الفلكة والعصا، يقوم بدوره بتحفيظ طلابه بذات الطريقة.

في الجيش هناك عرف اسمه الأقدمية، أي عندما تتساوى الرتب فالشخص الأقدم له الصلاحية في إعطاء الأوامر لمن هو أحدث منه. الجنود
الذين على وشك إنهاء فترة خدمتهم (يسمونهم الردايفة جمع رديف) يكون لهم الأمر والنهي على الجنود الأحدث منهم فبالتالي يستقبلون
الجنود الذين في بداية خدمتهم بالأوامر المتعسفة والعقاب بسبب وبدون بسبب، بحجة أنهم تعرضوا لأكثر من ذلك أثناء خدمتهم.

أما معشر الأطباء فحدث ولا حرج، النائب الأحدث “الجونيور”

في القسم عليه أن يقوم بكل العمل وتلقي كل اللوم وتحمل مسئولية كل الأخطاء خاصة في المستشفيات التعليمية حيث يصل الأمر ل
لتقريع وأحيانًا السباب أمام الطلبة والمرضى والممرضات.

وحجتهم هنا ( أننا تلقينا في فترة نيابتنا ماهو أكثر من ذلك بكثير فعليك أن تتحمل
مثلما تحملنا وبعد فترة سيأتيك النواب الجدد “الجناير”
لترمي بكل ذلك عليهم وتعوض كل أيام الشقاء) أو كما قال محمود الجندي: دي جمعية ودايرة يابا.
مشرف الرسالة الذي يتفنن في إذلالك وتعذيبك وتضييع وقتك وكرامتك لو أتيحت
لك الفرصة للجلوس معه بعد انتهاء الرسالة في وقت
يكون فيه مزاجه معتدلًا سيحكي لك عما فعله معه الأستاذ الذي كان مشرفًا على
رسالته وعن معاناته مع أساتذته في اختبارات الدكتوراة
لتدرك أنه فقط كان يكرر معك ما عاناه هو شخصيًا.
الخلاصة لابد أن نتوقف عن نقل خبراتنا السيئة لمن بعدنا بحجة أننا عانينا أكثر منهم
وأنهم لابد أن يعانوا حتى يصلوا لما يريدون. أعتقد
أن علينا نقل خبراتنا لمن بعدنا محاولين أن نجنبهم الطريق الوعر الذي عبرناه -مادام ذلك ممكنًا- وليس أن نجعلهم يمروا بنفس الصعوبات.
ذات مرة سمعني صديق عزيز أقدم مني في العمل أشكو من كثرة العمل والنوبتجيات فقال لي أننا مدللون وأنهم كانوا يعملون عدد
نوبتجيات أكثر ويغطون أكثر من قسم وما إلى ذلك، فقلت له مازحًا: “ولكن ذلك كان من مدة طويلة ووقتها كان عدد المرضى أقل
وعدد الأمراض المكتشفة أقل، فأيامكم لم يكن هناك أمراض معروفة غير الكحة ولم يكن وقتها لها علاج فكان دوركم فقط أن
تنصحوا المريض أن يدهن صدره بزيت الزيتون الدافيء ويغطيه بورقة (جرنال) ثم يرتدي ملابس ثقيلة ويشرب منقوع أوراق الجوافة”.

اترك رد

آخر الأخبار